السؤال يثير حيرة المراقبين على الجانبين: ماالذي يحول دون عودة العلاقات الأردنية-العراقيةإلى سابق عهدها؟الأستاذ والصديق جورج حواتمة جمع في منزله عددا من الشخصيات السياسية والاقتصادية الأردنية مع شخصية عراقية تنتمي إلى التيار القومي، ومقربة من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.لم يكن عشاء سريا بالطبع، لكن لا يمكنني ذكر أسماء الحضور لأنني لم أحصل على موافقتهم بذلك. وقددار حوار عميق وصريح حول إشكاليات العلاقة الأردنية-العراقية،واستكشاف إمكانيات إعادة الزخم إليها بما ينعكس إيجابا على البلدين.اتفقالحضور على أن هناك حالة من الجفاء والبرود تسيطر على علاقة عمان ببغداد. لكن الآراء تباينت حيال المسؤولية عن ذلك.فاجأالضيف العراقي الحاضرين بتحليل مغاير للانطباع السائد عن حكومة المالكي إذ أكد بشكل قاطع أن المالكي، ومن خلفه حزب الدعوة، لا يتمتع بعلاقات مميزة مع إيران بخلاف جماعة الصدر التي تعد الحليف الرئيس لطهران في العراق. وزادبالقول: إن ميول المالكي و"الدعوة" عربيةبامتياز.كان كلام الضيف العراقي مثيرا وغير مألوف، وجاء ردا على تعليقات من الحضور عرضت لتاريخ العلاقات الحميمة بين الأردن والعراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين، والدعم الذي كان يقدمه للأردن، مما أكسبه شعبية كبيرة. أحدالحضور كان من أبرز مهندسي العلاقة الأردنية-العراقية، سرد على مسامع الضيف محطات "لا تنسى" من الدعم والمساندة المتبادلة من البلدين، وشبكة المصالح المتعددة التي استفاد منها الشعبان على مدار سنوات طويلة.وتساءلالحضور عن سر البرود الذي قابل به المالكي وحكومته المبادرات الأردنية للانفتاح على العراق. وذكروافي هذا الصدد أن الملك عبدالله الثاني هو الزعيم العربي الذي زار بغداد مرتين بعد سقوط نظام صدام حسين. وباستثناء رئيس الوزراء الحالي، فإن جميع رؤساء الحكومات في عهد الملك عبدالله الثاني زاروا بغداد، ومثلهم العشرات من الوفود الوزارية. لكن، وبالرغم من ذلك، ظلت العلاقات بين البلدين تراوح مكانها.حمل الضيف العراقي بشدة على وسائل الإعلام، وحمّلها المسؤولية عن تسميم العلاقات مع حكومة المالكي وتشويه سمعتها. وكانصريحا أكثر من ذلك عندما تمنى على الجانب الأردني تجنب استفزاز العراقيين بالحديث المستمر عن صدام حسين بوصفه بطلا، بينما هو في نظر شعبه دكتاتور جلب لهم المصائب. واشتكىمن استمرار طرح الأسئلة المتعلقة بالهوية الطائفية للعراقيين حال دخولهم الأراضي الأردنية، إضافة إلى المعاملة السيئة التي تلقاها سياسيون من المعارضة في الماضي القريب.يؤمنالضيف العراقي بأن استقرار الأردن وأمنه هدف استراتيجي لا يجوز التفريط فيه، وأن من واجب الحكومة العراقية مساعدة الأردن بكل الوسائل المتاحة. لكنهأخذ "علينا" عدمالقيام بما يلزم من خطوات تجاه حكومة المالكي لتحسين العلاقات. وأقربعض الحضور بأن هناك تقصيرا من الجانب الأردني، وأشاروا في هذا المجال إلى الحاجة إلى تكثيف زيارات المسؤولين إلى بغداد.وتساءلالبعض عما إذا كان الجانب الأردني متأثرا بموقف السعودية "العدائي" منحكومة المالكي. ولايمكن استبعاد ذلك بالطبع، لكن الأردن، في المقابل، يرى أن إيران ربما تقف خلف جفاء المالكي تجاه الأردن والعرب عموما.البرودالذي يطبع العلاقات بين البلدين على المستوى الرسمي لا ينسحب بالضرورة على علاقة رجال الأعمال في القطاع الخاص. أحدأبرز المستثمرين الأردنيين في السوق العراقية قال إنه، ومن خلال تجربته الخاصة، لم يلق غير التعاون من جانب الحكومة العراقية لتسهيل عمله.بعدساعتين تخللهما عتب متبادل وود لا ينقطع، لم نخرج من الحوار مختلفين، بل متفقين على الحاجة إلى مبادرة تنقل العلاقة بين البلدين من المنطقة الرمادية و"الخضراء" أيضا إلى أفق جديد. وعندها،سنجد أن المستقبل والمصالح المتشابكة للشعبين أهم كثيرا من الاستمرار في اجترار ماض يثير الغضب والاستفزاز.
سر البرود
أخبار البلد -