ورغم اختلاف الظروف بين الجنوب اللبناني والجنوب السوري سياسيا وجغرافيا، إلا أن التحدي الذي يواجه الكيان هو ذاته في تجنب إقامة بنية تهديد مستمرة في المناطق الحدودية، فهناك قلق واضح من تحويل الجنوب السوري إلى نقطة انطلاق للجماعات المسلحة المدعومة من أطراف إقليمية، مما قد يعيد سيناريو الجنوب اللبناني إلى الواجهة.
الكيان الصهيوني اليوم يجد نفسه تحت ضغوط هائلة لتحديد سياسته في جنوب سورية، سواء من قبل دول المنطقة أو المجتمع الدولي من جهة في حين تتزايد المطالبات من بعض الأطراف العربية والدول المجاورة لسورية بأن يحدد الكيان الصهيوني ملامح إستراتيجيته بوضوح، كون وجود القوات الصهيونية في هضبة الجولان، التي يحتلها منذ عام 1967، تعتبر موضوعا حساسا على الصعيد الدولي، حيث يعتبر العديد من الدول أن هذا الوجود ينتهك القانون الدولي ويجب وقف كونه تماديا مستمرا على الأراضي العربية.
لهذا فإن الكيان المحتل يسعى إلى استخدام أي وضع أمني مضطرب في سورية لصالحه، ليبقي تعزيز سيطرته على المنطقة العازلة في الجولان وينفذ غارات جوية على المواقع السورية بشكل عشوائي ومستمر بحجة حماية نفسه من التهديدات والتي بها ستتوسع دائرة الحرب.
ولأن محاولات الكيان الصهيوني الاستفزازية على الأراضي السورية تأتي تحت غطاء تجنب تكرار سيناريو جنوب لبنان، فإن الكيان يواجه تحديات عديدة، أهم هذه التحديات هو احتمال تصعيد المواجهات مع القوات السورية الجديدة، فالوضع في سورية ما يزال هشا، وقد تتحول أي عملية عسكرية استفزازية للكيان المحتل إلى مواجهة مباشرة.
فالكيان المحتل بحاجة إلى إعادة تفكير عميق في سياسته العسكرية المتعجرفة وخاصة في الجنوب السوري وبشكل دقيق، بحيث عليه تجنب الخروج عن توازناته الأمنية، وفي الوقت ذاته ليحافظ على أمنه القومي، لذلك يجب عليه ان يتخذ خطوات في المرحلة المقبلة بشكل مدروس كون المستقبل القريب سيحدد مصيره ومصير المنطقة.
وبهذا يمكنني الاستنتاج بأن الكيان المحتل لن ينجح في تجنب تحويل جنوب سورية إلى بؤرة تهديد مماثلة لما حدث في جنوب لبنان والتي ستكون بشكل آخر بسبب محاولته الاستفزازية التي يقوم بها بشكل مستمر، لكنه في الوقت نفسه سيجد نفسه في وضع يطمح به لتوسيع وجوده العسكري في المنطقة، وهنا يبقى السؤال الأبرز: هل سيتمكن الكيان المحتل من إدارة هذا الملف المعقد بخبث ويستغل الفرص القائمة، أم أن الضغوط الإقليمية والدولية ستجبره على تغيير إستراتيجيته؟