رسمياً وفي جلسة استماع للجنة المُخصصات في مجلس الشيوخ الأميركي الثلاثاء الماضي، أعلن رئيس الدبلوماسية الأميركية/بلينكن, عن «تفكير» واشنطن بخطط بديلة لإدارة قطاع غزة «بعد الحرب» بمشاركة دول أخرى في المنطقة.. يمكن القول إن ما سارعت وكالات الأنباء العالمية إلى نقله على شكل «خبر عاجل»، لم يكن مُفاجئاً أو جديداً، بل كانت صحافة الاحتلال الصهيوني وبخاصة صحيفة «إسرائيل اليوم» اليمينية المُتطرفة, والمقرّبة جداً من نتنياهو والمدافعة بحماسة عن سياساته العنصرية الاستيطاني, قد كشفت أن «ثلاثة خيارات» باتت مطروحة أمام كا?نيت «حكومة الحرب» في دولة الاحتلال، وإن كانت الصحيفة/إسرائيل اليوم», زعمت أن الخيارات تلك لم يتم بحثها على نحو رسمي في جلسات حكومة الحرب/الطوارئ، لكن ما استبطنه الخبر الرئيس في الصحيفة كان يشي بأن نقاشاً «جدياً» قد دار بين أركان هذه الحكومة الثلاثية (نتنياهو، غالانت وغانتس) إضافة بالطبع إلى رئيس الأركان السابق/ايزنكوت ووزراء من الليكود. و«ربما» بحضور بلينكن نفسه.
ان يخرج بلينكن قائلاً أمام جلسة استماع في الكونغرس وعلى نحو علني, أنه من «المنطقي أن يتم حكم غزة (في النهاية)عبر سلطة فلسطينية نشِطة وفاعِلة»، يعني بوضوح استبعاد سلطة الحكم الذاتي في رام الله, عن «المرحلة المقبلة» التي يروم التحالف الصهيواميركي تدشينها أو قل يحلم بتدشينها, اذا ما وعندما يتم احتلال مدينة غزة وفصل شمال القطاع عن وسطه وخصوصاً جنوبه، الأمر الذي يُؤشر في الوقت نفسه إلى أن المشهد لن يقف عند وضع غزة تحت «وصاية ما»، ليس فقط عبر «النأي» بحكومة الاحتلال عن الوقوع في «فخ» إعادة احتلال قطاع, طالما سبّ? لقادتها وحكوماتها قلقاً وأوقعهم في أزمات متدحرجة, ترجمها إسحق رابين بعبارته الشهيرة «أحلمُ أن استيقظ من النوم لأرى قطاع غزة وقد إبتلعه البحر»، ناهيك عمّا يمكن أن يترتب على إدارة جيش الاحتلال لقطاع منكوب, قامت بتدميره آلة الحرب الصهيونية بدعم مباشر وميداني مُتعدد الأوجه الإدارة الأميركية, الذي قال بلينكن: إن بلاده «لن» تدعم أي نِية إسرائيلية لإدارة قطاع غزة. ليس بالطبع وضع «فيتو» أميركي على إدارة إسرائيلية للقطاع، بل حرصاً عليها من الوقوع في «مُستنقع غزة» بل وتبرئتها من مسؤولية قتل الأطفال والنساء, وتدمير ?لمشافي والمنازل والبنى التحتية وحرب الإبادة وجرائم الحرب التي ارتكبتها، وحيث لم تتوقّف الإدارة الأميركية عن مُعارضة دعوات وقف إطلاق النار, والقول بان «ما تقوم به إسرائيل في غزة, إنما يندرج في إطار الدفاع عن النفس, وأن الحرب لن تتوقّف إلا بعد هزيمة حماس».
أين من هناك إذاً؟
بلينكن سيصل تل أبيب يوم غد/الجمعة, في مستهل جولة شرق أوسطية «جديدة» له. ونحسب حدود اليقين أنه سيُشارك في جلسة حكومة الحرب/الطوارئ ليس كأميركي بل خصوصاً كيهودي، وسيُناقش مع أركان هذه الحكومة الفاشية الخطوات التالية وجدول أعمال المرحلة المقبلة, التي يبدو أنها باتت «ضبابية» (حتى لو استطاع جيش العدو احتلال مدينة غزة أو تطويقها).. ناهيك عما يُمكن أن يطرأ من تطورات «إقليمية», اذا ما مضى جيش العدو قُدماً في حملته البرية, وإذا ما إتّسع نطاق الحرب وتم فتح جبهة أو جبهات مُحيطة بإسرائيل. ناهيك عن ردود الفعل لدى دول ا?تحالف الغربي: أميركا، بريطانيا، ألمانيا وفرنسا (دع عنك إيطاليا والاتحاد الأُوروبي), وما إذا كانت ستُطرح (رسمياً) السيناريوهات «الثلاثة» التي تحدثت عنها صحيفة/إسرائيل اليوم قبل أسبوع, وها هي وكالة «بلومبرغ» الأميركية, تعيد طرحها نقلاً هذه المرة عن «مصادر مُطَّلِعة» في الولايات المتحدة/وإسرائيل، كخيارات لمُستقبل قطاع غزة في حال «الإنتصار» على حماس..على النحو التالي:
1- توفير السيطرة «المُؤقتة» على غزة لدول منطقة الشرق الأوسط, بدعم من قوات من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. وفي الوقت نفسه، فإن وجود دول عربية، أمر مرغوب فيه أيضاً.
2- نشر قوات حفظ السلام والمراقبين. وفي الوقت نفسه، (ترى إسرائيل، كما تشير الوكالة نقلاً عن مصدر، أن الفكرة «تستحق الدراسة»).
3- إدارة مُؤقتة لقطاع غزة تحت رعاية «الأمم المتحدة». وقال المصدر لـِ«بلومبرغ»: إن إسرائيل «مُقتنِعة» بأن المنظمة «قليلة الفائدة».
ويبقى السؤال، الأكثر أهمية في راهن الأجواء والمناخات العربية تحديداً، ما الذي يمكن أن يترتب على تطبيق/فرض أي سيناريو من السيناريوهات التي يتداول فيها الأميركيون والصهاينة في تل أبيب؟. وكيف يمكن تخيّل أن يتم فصل قطاع غزة عن «مناطق» السلطة الفلسطينية الحالية؟ وما الذي سيترتب في حال فك ارتباط القطاع عن الضفة الغربية؟.
زد على ذلك السؤال التالي: ما سرّ الحماسة الأميركية منذ أمس, لـ«زيادة» حجم وعدد الشاحنات المُحمّلة بالمساعدات لقطاع غزة, بعدما شجّعت العدو على إعاقتها طوال ثلاثة أسابيع؟. ألم يكن من أجل تمكين جيش العدو من إحتلال وتدمير القطاع وتهجير سكانه, تمهيداً لـ«فرض» أحد سيناريوهات رسم خرائط جديدة في المنطقة؟.