صباح الفقر يا وطني
وبمناسبة مطالبة الشعب بعشرين دينارا زيادة على الرواتب منذ عشرين عاما وعاد بخفي حنين.
كتب علي السنيد:
صباح الفقر يا وطني... صباح القرى اليابسة، والوجوه العابسة ، والأردنيين الذين تقطعت بهم سبل العيش الكريم فوق ترابهم الوطني.
صباح الحكومات التي جاءت بالضرائب، والاسعار، والغلاء، وقتلت الحلم الاردني، واودت بالقطاع العام، وباعت المؤسسات، والثروات الوطنية، وولدت الهيئات المستقلة.
صباح الرؤساء، والوزراء الذين اثروا من وراء السلطة، وانتقلوا الى نادي حملة الملايين، وملاك العقارات، والشركات والقاصات.
صباح القرارات التي صدرت في التنفيعات في كل الوزارات.
صباح خطوط الباصات، والتكاسي ، والترضيات.
صباح عطاءات التلزيم والاوامر التغييرية و السمسرة، والعمولات، والمقايضة ، والرخص المخالفة.
صباح الاستثناءات، والتعيينات التي تفصل حسب اهواء الشلل.
صباح الظلم ، والاقصاء، والتهميش للكفاءات، والرجالات المخلصين لوطنهم.
صباح الشاليهات، والسيارات الفارهة، والبذلات بالاف الدنانير من اموال الشعب الغلبان الذي يستجدي رفع الرواتب 20 دينارا منذ عشرين عاما.
صباح اراضي الخزينة التي تحولت الى ملكيات خاصة، والجبال التي اقتطعت من اراضي الحراج و استولت عليها الشخصيات.
صباح نزوات المسؤولين، وسفراتهم ومياوماتهم، وسهراتهم، والفسق الذي يتخلل بعض المشاركات الرسمية في الخارج.
صباح تدوير الكراسي، وتنفيع الشلل، والرواتب بعشرات الالاف ، ووأد الكفاءة، لصالح النخبة التي توصي ببعضها البعض خيرا.
صباح مدمني الكاميرات، والوزراء الذين همهم تسجيل النشاط الاعلامي، والمسؤولين من نوع استقبل وودع، ومن يبعون الناس الكلام، عوضا عن تحقيق احلامهم الوطنية.
صباح رجالات الولائم، والنخب الملتفون حول "المناسف"، والبلاد التي ثقلت بظاهرة اثراء السياسين، ودفعت الثمن في التنمية، وتحول اهم قضايانا الوطنية الى توجيهات الرئيس بدهان حائط مدرسة، او تشييك ملعب بلدي.
صباح السكرتيرات المتعاليات، والكراسي العالية، والمعاملات التي تضييع في الادراج، والهواتف التي لا تجيب، والاردني الذي تلزمه الواسطة كي يتحصل على سرير في مستشفى يعالج المه.
صباح المهمشين ، ومن نصبوا الخيام على ضفاف جرحهم الوطني أولئك الذين منهم من يستدين ثمن الخبز، ويتدفأ بأنفاسه الوطنية، ويأكل الهواء في وطن قضمه المقسمون زوراً على الدستور. ومن خانوا الثقة الملكية.
صباح فواتير الكهرباء التي تنقطع عن بيت الفقير على اقل من مئة دينار، وأقساط البنك المتراكمة، والإقراض الزراعي، وصندوق التنمية والتشغيل، ومؤسسة المرأة، وصندوق الطالب الجامعي، والحجز على راتب المعيل، وتصاعد اسعار البنزين ، والكاز ، والمياه ، والضرائب العالية، وضريبة المبيعات، وضريبة الدخل، والغلاء الذي داهم الجيوب.
صباح الضيق، والهم، والحزن، والحاجة
صباح المساكين على قارعة الوطن ، ومئات الاف من الخريجين الجامعيين الذين يقبعون في البيوت، وينسل من بين ايديهم قطار العمر، ولا يجدون لهم موطئ قدم امام مزاحمة العمالة الوافدة التي تجاوزت حاجز المليون.
صباح الرواتب المتدنية، وبناتنا في باصات الشركات يبحثن عن حلم وظيفة بأي راتب ، وأبناؤنا العاطلون عن العمل منذ سنوات، ويتكدس في داخلهم الألم، وفقدان الأمل، ويغدو الوطن صورة سوداء لأحلام أبنائه المقتولة.
صباح الخذلان يا وطني ، ومن انتظروا رفع الرواتب منذ ربع قرن ، وعادوا بخفي حنين، وحظوا ببضع خطابات نيابية لا تغني ولا تسمن من جوع.
صباح معتق برائحة الضحك على ذقون الأردنيين الذين انتظروا الخروج من عنق الزجاجة، ومرحلة القادم اجمل، وكل مر سيمر، وراحوا يطاردون حلمهم الوطني، ويمضون خلف السراب.
صباح الفريق الاقتصادي ، وحزمة الأمان الاجتماعي، ووزارة التنمية الاجتماعية التي وطنت الفقر، وأموال التخاصية ، وصندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي، وصندوق تنمية المحافظات، وصندوق الاجيال، وقوانين تشجيع الاستثمار، وبرامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، والارقام الاقتصادية المضللة، والنمو بنسبة %7.
صباح المستشارين، والعقود، صباح مفعم بضيق ذات اليد، وانكسار أحلام الفقراء.
صباح ذكرى حبيب الشعب وصفي الذي شكل خمس حكومات وقضى مديونا لمؤسسة الإقراض الزراعي.
فيا بلد الوزراء كيف حال بني عطية ، وكيف ليالي السمر في غور نمرين ، وهل ظل عز في الجنوب ، وعلى من في الشمال ستدور الدوائر، واين أضعت يا وطني من بنوا السهول والهضاب الشم فيك ، وسقوك الدم الطاهر ، فمضيت تدب رحالك في الغربة وابتعدت ، وطال بك المشوار ، ووجهك الوضاء من أطفأ النور في عينيه ، من غير اللهجة والكلمات العربية ، من ملأ قلبك بكل هذا السواد ، من كرهك فينا ، ويريد أن يكرهنا فيك ، وبرغمهم ما غادرناك، وما غدرناك.
من غيرك يا وطني فتنكرت لبنيك، وكيف داسوا أثارنا فوق قلبك الطاهر؟؟، وهذه الأرض، المزروعة في الأرواح من اقتلعها والناس نيام.
قد اتسع الجرح يا وطني ، وغدا العيش حلوه حنظل ، وجرت ، وظلمت ، وتحول الكرام فيك إلى جياع ، فمرة هي الحلوق الأردنية ، والوجوه السمر بات يغشاها الحزن العميق.
قد اتسع الجرح يا وطني، وفاضت روح الأرض من ثنايا قلبك الحار، والمتخمون لا يعطون الناس نقيرا ، والفقراء يحسدون على الأكواخ، ولقمة الخبز التي في الأفواه.
فلله درك يا وطني كيف جعلتهم يأكلون حق الفقير في بلد كله فقراء ، وتمتد أياديهم النجسة إلى بطون الجياع ، ويصادرون التعب المالح من جباه تغرق في العرق، وأيد يابسة ، فلا يسلم الفقير من الأذى.
ويتشاطر الذين لم يسقوا الأردن قطرة دم على عيش أصحاب الأيادي الطيبة التي زرعت الخير في روح هذه البلاد ، ويظنون أنهم يذلون الأعزة الأبرار ممن سلفوا في صفحة مجدك يا وطني ، فأبكيك يا بلادا عربية خرجت من قصيدة بدوية بيضاء كقطرة الندى ، وتوزعت في جيوب العكاريت ودفاتر شيكاتهم.
في وطني بؤس يصفع وجوه الملايين، وقهر استوطن صدورا لطالما افتخرت بحب التراب ، ووجوه غائرة في الحظ التعيس ، والأردني يبحث عن حلمه ، ولا يجد إلا السراب.
في وطني سياسيون لؤماء ابتلعوا كل شيء ، ومنزل احدهم الفاخر بثمن بيوت قرية من قرانا المهملة.
وفي الاردن رجال طيبون يستدينون خمسة دنانير الى اخر الشهر، ويحولون رواتبهم الى الدكانة المجاورة للحصول على تسهيلات في الدفع.
فسلام على جرحك يا وطني... سلام على الجيوب الفارغة... سلام على وطن أعلناه جيباً كبيراً للفقر، والفقراء.