غياب المشاركة المجتمعية المنهجية في مناقشة الرؤية التخطيطية وأنماط السكن وأولويات الخدمات، يُفقد المشروع فرصة ثمينة لفهم الطلب الحقيقي
وضوح الإطار التشريعي والتنظيمي الناظم للمدينة الجديدة، إضافة الى تحديات التمويل طويل الأمد، وكلف البنية التحتية الرئيسية، وربط المدينة بشبكات نقل عام فعّالة منذ المراحل الأولى، تُعد من الملفات الحساسة التي يجب التعامل معها مبكراً
إدماج السكن بمختلف أنماطه، بما في ذلك السكن الميسر ، ضمن المخطط الحضري الشمولي، يُعد عاملاً حاسماً لضمان الإشغال الفعلي للمدينة وتحقيق حيويتها الاقتصادية
الفصل بين مواقع السكن وفرص العمل، أو تأخر توفير الخدمات الأساسية، يؤدي إلى نشوء تجمعات عمرانية مكتملة شكلياً لكنها ضعيفة الاستقطاب السكاني
استدامة المشروع عبر الزمن تشكّل تحدياً في ظل امتداد مراحل التنفيذ على سنوات طويلة وعبر حكومات متعاقبة
مشروع مدينة عمرة، في حال تنفيذه ضمن نهج تشاركي واضح ، يمتلك قدرة حقيقية على تحفيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة
تشكيل لجنة أو فريق عمل مشترك يضم الجهات الحكومية المعنية والمستثمرين والمطورين العقاريين والمؤسسات التمويلية وخبراء التخطيط والتمويل وممثلين عن المجتمع، لوضع إطار واضح للنموذج المالي وآليات الشراكة وأولويات التطوير، لبناء نموذج تنموي مستدام يضع الإنسان والاقتصاد في قلب التخطيط الحضري
محرر الشؤون الاقتصادية - أكد رئيس مجلس إدارة جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان الأردني، السيد ماجد غوشة، أن التوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك عبدالله الثاني، التي شددت على أهمية أن تسهم المشاريع الوطنية الكبرى في توفير فرص العمل وتحسين نوعية الحياة، تشكّل الإطار المرجعي لمشروع مدينة عمرة، وتضعه في سياق تنموي استراتيجي طويل الأمد يربط بين النمو الاقتصادي والبعد الاجتماعي، ويحمّله مسؤولية وطنية تتجاوز كونه مشروعاً عمرانياً.
وأوضح أن مشروع مدينة عمرة، في حال تنفيذه ضمن نهج تشاركي واضح ومؤسسي بين القطاعين العام والخاص، يمتلك قدرة حقيقية على تحفيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، لا سيما في قطاعات الإسكان والإنشاءات والبنية التحتية والخدمات، وهي من أكثر القطاعات قدرة على تشغيل الشباب وتحريك سلاسل الإنتاج المحلية، مشيراً إلى أن الأثر الاقتصادي للمشروع لا يقتصر على مرحلة البناء، بل يمتد ليشمل مراحل التخطيط والتطوير والتشغيل، بما يوفّر فرص عمل مستدامة ويعزز النشاط الاقتصادي على المدى الطويل.
وفي هذا الإطار، شدّد على أن نجاح المشروع يتطلب تبنّي نموذج مالي متوازن يقوم على توزيع الأدوار والمخاطر، بحيث تضطلع الحكومة بتوفير الأراضي والبنية التحتية الرئيسية، مقابل دخول القطاع الخاص في تطوير المشاريع السكنية والخدمية وتشغيلها وفق أسس اقتصادية واضحة . فالمدن الجديدة تحتاج إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية الأساسية قبل أن تصبح جاذبة للسكن أو الاستثمار، وهو ما شكّل عبئاً كبيراً في تجارب إقليمية اعتمدت على التمويل الحكومي وحده، أو على نماذج غير واضحة لتقاسم المخاطر. وتُظهر التجربة المصرية، على سبيل المثال، أن نجاح بعض المدن الجديدة ارتبط بوضوح نموذج الشراكة مع القطاع الخاص، وتدرج التطوير، وربط العوائد بمرحلتي التشغيل والسكن الفعلي، وليس بالاكتفاء ببيع الأراضي.
وأشار إلى أن نجاح مدينة عمرة واستدامتها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتكامل وظائف السكن والعمل والخدمات والنقل ضمن إطار تخطيطي حضري متوازن، مؤكداً أن إدماج السكن بمختلف أنماطه، بما في ذلك السكن الميسر ، ضمن المخطط الحضري الشمولي، يُعد عاملاً حاسماً لضمان الإشغال الفعلي للمدينة وتحقيق حيويتها الاقتصادية. ولفت إلى أن عدداً من المدن الجديدة في الإقليم واجه تحديات حقيقية بسبب الفصل بين مواقع السكن وفرص العمل، أو تأخر توفير الخدمات الأساسية، ما أدى إلى نشوء تجمعات عمرانية مكتملة شكلياً لكنها ضعيفة الاستقطاب السكاني.
كما نبّه غوشة إلى جملة من التحديات الجوهرية التي قد تواجه تنفيذ مشروع مدينة عمرة، في مقدمتها ضرورة وضوح الإطار التشريعي والتنظيمي الناظم للمدينة الجديدة، إضافة الى تحديات التمويل طويل الأمد، وكلف البنية التحتية الرئيسية، وربط المدينة بشبكات نقل عام فعّالة منذ المراحل الأولى، تُعد من الملفات الحساسة التي يجب التعامل معها مبكراً، مستفيدين من دروس تجارب إقليمية أثبتت أن تأجيل ملف النقل أو الخدمات الأساسية يحدّ من جاذبية المشروع ويُضعف جدواه الاقتصادية.
وأكد أن استدامة المشروع عبر الزمن تشكّل تحدياً إضافياً، خاصة في ظل امتداد مراحل التنفيذ على سنوات طويلة وعبر حكومات متعاقبة،لافتاً أن الدرس الأهم الذي تقدمه تجارب المدن الجديدة في الدول المجاورة هو أن النجاح لا يتحقق بالإعلان عن المشروع، بل ببناء منظومة متكاملة تشمل تشريعاً واضحاً، وحوكمة رشيدة، ونموذجاً مالياً متوازناً، وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص، وتخطيطياً حضرياً يدمج السكن والعمل والخدمات منذ اليوم الأول .
ورغم أهمية هذه التحديات، أشار غوشة إلى ثغرة لا تقل خطورة، تتمثل في غياب المشاركة المجتمعية المنهجية في المراحل الأولى من المشروع، معتبراً أن هذا الغياب يشكّل نقطة ضعف حقيقية تستدعي المراجعة المبكرة. وأوضح أن عدم إشراك المواطنين، والشباب، والمهنيين، والقطاع الخاص الإسكاني، ومؤسسات المجتمع المدني في مناقشة الرؤية التخطيطية وأنماط السكن وأولويات الخدمات، يُفقد المشروع فرصة ثمينة لفهم الطلب الحقيقي، ويخلق فجوة بين المخطط الحضري واحتياجات المجتمع الفعلية. مشيرًا إلى أن كلفة تصحيح المسار في المراحل اللاحقة تكون أعلى وأكثر تعقيداً. كما أن غياب هذا النهج يضعف الحاضنة الاجتماعية للمشروع ويحد من بناء الثقة اللازمة بين الدولة والمجتمع والمستثمرين، وهي ثقة تُعد شرطاً أساسياً لإنجاح مشروع يمتد تنفيذه على سنوات طويلة وعبر حكومات متعاقبة.
وختم رئيس الجمعية بالتأكيد أهمية مشروع مدينة عمرة، داعياً إلى إطلاق حوار وطني ومجتمعي منظم حول المشروع، وتشكيل لجنة أو فريق عمل مشترك يضم الجهات الحكومية المعنية والمستثمرين والمطورين العقاريين والمؤسسات التمويلية وخبراء التخطيط والتمويل وممثلين عن المجتمع، لوضع إطار واضح للنموذج المالي وآليات الشراكة وأولويات التطوير، لبناء نموذج تنموي مستدام يضع الإنسان والاقتصاد في قلب التخطيط الحضري بما يضمن تحقيق الأثر الاقتصادي والاجتماعي المرجو من مشروع مدينة عمرة، وفي مقدّمته توفير فرص عمل نوعية ومستدامة للشباب الأردني وتحسين جودة الحياة ، انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية.