أخبار البلد
تتطلب مقولة رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي حول طبيعة الكتل البرلمانية وتشكلها على أساس الصداقات أن نتحسس الفرامل المتعلقة بالإصلاح السياسي قليلاً، ليس لأن مقولته صادمة أو مفاجئة، بل هي على العكس من ذلك، شائعة ومعروفة، وبموازاتها، كان حديث لرئيس الوزراء السابق عبد الرؤوف الروابدة، أفاض فيه حول فشل التجارب الحزبية السابقة مستخدماً وصف الأحزاب التصنيعية، ويقدم اعترافاً خطيراً أن سياسيي الأحكام العرفية تهافتوا على تأسيس الأحزاب للحيلولة دون صعود القوى السياسية الجديدة لتسيطر على المشهد بدلاً من السياسيين المكرسين مستخدماً تعبيراً شعبياً، وبليغاً بما يتناسب مع خبرة الأردنيين في الحياة "يركبوا بدالنا".
توجد مؤشرات كثيرة تؤكد صحة ما يذهب له الروابدة، والمشكلة ليست في النوايا، فالملك يسعى للإصلاح السياسي بصورة حثيثة، وكنا قريبين منه إلى حد بعيد مع حكومة عبد الله النسور، ووعي الملك بمشكلة الأحزاب التصنيعية قديم، ورداً على مداخلتي في قصر الحسينية قبل أكثر من عشر سنوات تحدث الملك عن المشكلة في البرامج الحزبية المقدمة التي تقوم جميعها على أساس "يجب أن نفعل كذا وكذا" وجميعها تنصب حول أهداف متفق عليها، ولكن أحداً لا يقدم حلولاً للتنفيذ ولا توصيات معينة، وضرب الملك وقتها مثلاً بأحد الأحزاب التي كانت تحظى بنفس المواصفات القياسية للأحزاب التصنيعية.
مع صورة الأحزاب الحالية، ووقائع تسوية الأوضاع لكثير من الأحزاب، والملاحظات الكلاسيكية حول بعض التوجهات السياسية التي تفهم وظيفة الدولة الأردنية بصورة خاطئة، وتعيش في الستينيات والسبعينيات، فإن الحديث عن حكومة برلمانية يصبح أمراً متعذراً، ولكن هل تستطيع الأحزاب التصنيعية أن تلبي متطلبات المرحلة، وألا تصبح أحزاب توليفات أو صداقات كما يتخوف بصورة صريحة أو مبطنة كل من الروابدة والصفدي.
لنعاين السيناريو التالي، الافتراضي والمحتمل في الوقت نفسه، تتمكن الأحزاب من الحصول على نسبة من مقاعد مجلس النواب، مثلما فعلت القوائم الانتخابية، بالأصلاء والحشوات، ونجد حكومة بها مقاعد لعشر وزراء حزبيين، آتين من أحزاب مختلفة، لأنه مع الزحام الحزبي لن يستطيع حزب واحد أن يشكل الحكومة أو يستحوذ على حصة مؤثرة منها، وقتها سنجد تبايناً شديداً بين التوجهات، ووزارات تعمل في اتجاهات متناقضة أو متعاكسة، وفي ذلك الوقت تحديداً، في مدى زمني بين عامين وستة أعوام، ستكون الكثير من المشاريع ناضجة أو قاربت النضج، وكثير من التحديات قائمة أو تطورت إلى مخاطر، وينتظر الجميع في ذلك الوقت، أن يستمعوا إلى إجابات أردنية واضحة ومحددة ووافية وشافية.
لا نريد أن تعيد الأحزاب إنتاج الصالونات والمزارع السياسية، ولا أن يطغى السلوك التاريخي (نركب أو يركبوا بدالنا) أن يصبغ المرحلة القادمة، وفي مرة نادرة، سأتفق مع تركي الحمد الذي تحدث، قائلاً، نحن بغنى عن ديمقراطية على النمط الكويتي، مستشهداً بأن السعودية والإمارات وعمان يحققون إنجازات دون ديمقراطية، ويستكمل قائلاً، أن الديمقراطية تكون عبئاً وليس إنجازاً في مرحلة تاريخية معينة.
في الأردن لا نمتلك الترف نفسه، وبحكم موقعنا وظروفنا وتاريخنا ووعينا، لا يمكن أن ندير ظهورنا للديمقراطية، لأننا مسكونون بالأسئلة الوجودية، ولأن المواجهة غير منتهية إلى اليوم، ومن ذلك، يائير لابيد، أعقل الأعداء، الذي استطعنا أن ندفعه للقول بحل الدولتين في الأمم المتحدة، هو نفسه، كان يرى الأردن أحد الحلول المطروحة والقائمة لإنشاء دولة فلسطينية! ثم أن المشهد تغير كثيراً، وسيواصل التغير في المرحلة المقبلة، وبالتالي، فالديمقراطية والتمثيل الشعبي ضرورة وطنية في مرحلة حرجة ومعقدة.
ستدفع الظروف في الأشهر المقبلة الأردنيين إلى حالة غير مسبوقة من التوحد والتماسك، وهذه ورقة استراتيجية يجب أن تظهر في الأداء السياسي، ولا يمكن أن تترك لتفاعلات المرحلة السياسية الراهنة، والمطلوب هو الارتقاء إلى هذه التحديات ولا يمكن أن يتم ذلك على أساس البرامجي وحده، ولا على أساس التشتت الحزبي، ولكن الأمر يحتاج إلى تعامل مسؤول مع آليات الإصلاح السياسي يسفر عن خمسة أو ستة أحزاب في الحد الأقصى تستطيع أن تنتزع تمثيل الأردنيين، وهذه المسؤولية التاريخية الملقاة اليوم أمام جميع المشاريع الحزبية القائمة أو تحت التأسيس لإجراء مراجعة ضرورية من أجل تحويل المشروع السياسي إلى أمر واقع يخرج من أوساط الأردنيين بصورة عضوية، ولا يتم تصنيعه على مقاس محترفي السياسة والركاب القدامى.
القصة ليست من يركب، ولكن من يواجه.