كان العصر الاقتصادي الممتد ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وثمانينيات القرن العشرين أحد أبرز العصور في التاريخ البشري . فبعد فترة اعادة البناء التي شهدتها عقد الخمسينات كان هنالك معدل نمو اقتصادي غير مسبوق خلال الستينات وأوائل السبعينات . وتضاعف الناتج في العالم ثلاث مرات على مدى الفترة التي امتدت حوالي ثلاثين عاما . وازدادت أهمية الترابط الاقتصادي الدولي في حقول التجارة والعلاقات النقدية والاستثمار الخارجي بمعدل لم تشهده من قبل , ما أدى الى ظهور تكهنات ونظريات حول العواقب المحتملة لهذه التطورات على المدى الطويل . وتبنى الليبراليون مقالة مفادها أن البشرية آخذة في الاندماج في اقتصاد سوقي عالمي تفقد فيه الدولة والحدود الوطنية أهميتها الاقتصادية والسياسية .
وما أن حل منتصف ثمانينيات القرن العشرين حتى كان حلم الليبراليين هذا بقيام اقتصاد عالمي آخذ في الاتساع تنظمه سوق تحكمها قوانينها الذاتية قد تحطم . اذ كانت الظاهرة المستجدة التي عرفت بالركود والتضخم وهي مزيج من معدل نمو منخفض وبطالة متفشية . كانت قد حلت في السبعينات محل النمو الاقتصادي السريع والمستقر . وتبع ذلك انخفاض كبير في معدل النمو الاقتصادي العالمي خلال ثمانينيات القرن العشرين . وكانت الانجازات التي حققتها جولات متتالية لتحرير التجارة أخذت تتأكل بسبب انتشار الحواجز غير المتصلة بالتعريفات وكذلك بسبب أشكال شتى من السياسات الحمائية , كما كان النظام النقدي الدولي في حالة من الفوضى , وتعرض استقرار البنية المالية العالمية لمخاطر مشاكل الدين الهائلة التي كانت الاقتصادات الدولية تواجهها , وهكذا بدأ الترابط الاقتصادي الدولي تراجعه المستمر على جبهات كثيرة .
وقد ظلت الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين محجمة على وجه الخصوص عن اخضاع سياساتها الاقتصادية لاشراف دولي . فعلى الرغم من تزايد اعتمادها على الاقتصاد الدولي , تستمر أمريكا في التصرف وكأنها اقتصاد مغلق أو القائد الذي يتعين على الآخرين جميعا أن يتبعوه بصورة تلقائية . وكان أبرز الأمثلة على ذلك بالطبع السياسة النقدية لادارة ريغان , بأثارها المدمرة على أسعار الفائدة العالمية , ومشكلة الديون العالمية . فقد كان الموقف الرسمي لادارة ريغان هو مقاومة سياسات الحمائية ومتابعة هدف الاتفاق العام بِشأن التعريفات الجمركية والتجارة الخاص بايجاد نظام تجاري متعدد الأطراف قائم على التمييز وعلى قواعد عالمية تحكم العلاقات التجارية . وبدلا من اتباع التبادل غير المشروط وفق الاتفاقية العامة بشأن التعريفات والتجارة ( الغات ) . ومبدأ الأمة الأولى بالرعاية , فان الولايات المتحدة ستتبع سياسة التبادل المشروط .
ولتحقيق هذه الغايات ينبغي على الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها الاقتصادي وأشكال نفوذها الاخرى في المفاوضات الثنائية على أساس كل قطاع على حدة .
هذا ما اطلق عليه كونبير أسم السياسات التجارية الأمريكية المفترسة في ثلاثينيات القرن العشرين , فبموجب قانون اتفاقية التجارة المتبادلة لعام 1934 , تستخدم الولايات المتحدة نفوذها الاقتصادي لكسب ميزة في الترتيبات الاقتصادية الثنائية . وهذا ما عادة اليه الولايات المتحدة الامريكية في السياسات الترامبية التي أطلقها في الثاني من شهر نيسان من هذا العام 2025 بفرض رسوم جمركية على دول العالم .
-1-
وذلك لتحقيق هدف المركنتلية الخبيثة لتحقيق مكاسب قصوى على حساب الدول الأخرى بفرض زيادة الهيمنة الإقتصادية ، من خلال اللجوء الى سياسات تجارية عدائية ، ورفع تعريفات جمركية مفرطة وفرض قيود صارمة على الواردات ، والتلاعب في اسعار الصرف واستخدام سياسات احتكارية تؤدي الى تغيير المنافسة البينية المرجوة ، وتحقيق فائض تجاري ضخم يستند الى سياسات غير عادلة ، مما يؤدي الى نزاعات تجارية واضطرابات في النظام الإقتصادي العالمي ، بدلاً من هدف المركنتلية الحميدة ، التي تعزز الإقتصاد الوطني وحماية الصناعات المحلية وتحقيق توازن اقتصادي يساهم في زيادة الإحتياطات النقدية والنمو الإقتصادي مع الحفاظ على علاقات تجارية مستقرة مع الدول الأخرى .
إن عالم اليوم ليس كما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية ، فاقتصاد الولايات المتحدة الأميركية يشكل حوالي (%25) من الإقتصاد العالمي ، لذا على دول العالم ان تطبق المركنتلية الحميدة في المبادلات التجارية الدولية بينها لتعزيز قدراتها الوطنية والدولية لتحقيق النمو الإقتصادي المستدام للتوازن بين الطلب الكلي الفعّال والعرض الكلي الفعّال والسياسات النقدية والمالية المطلوبة لتحريك العمليات الإنتاجية في الإقتصادات الدولية ويصبح الإقتصاد بمفهومه كعلم لتطبيق المبدأ الإقتصادي علماً عالمياً يشمل ميادين النشاط الإقتصادي عظيمة التنوع بين الناس ، والإحترام المتبادل بين الأمم بدلاً من الحروب المدمرة للحياة على الأرض بعد ان اصبح العالم قرية واحدة وخاصة بعد الثورة التكنولوجية التي انتشرت في كافة النشاطات الحياتية بين الأمم . وما نداءات غالبية رؤساء دول العالم بالعودة الى الإنفتاح الإقتصادي بين دول العالم والذي يشكل اقتصاده حوالي (%75) من الإقتصاد الدولي خير دليل على ذلك وكان آخرها كتاب رئيسة المكسيك كلوديا شينبام الى ترامب وماسك نيابة عن بقية العالم .