في مشهد يليق بمسرح عبثيّ أكثر منه بمؤسسة أكاديمية، تشهد إحدى الجامعات المرموقة فضيحة صارخة تضع سمعة التعليم العالي على المحك، وتطرح سؤالاً مؤلماً: هل أصبحت الترقية الأكاديمية "مكافأة ولاء" بدلاً من أن تكون استحقاقًا علميًا؟
وفقًا لما جرت عليه الأعراف والتقاليد الأكاديمية، فإن عضو هيئة التدريس حين يتقدّم بطلب ترقية علمية، مطالب بإرفاق نسخة من رسالتي الماجستير والدكتوراه، وكذلك الأبحاث التي سبق وتمت الترقية على أساسها، خاصة عند التقدّم لرتبة "أستاذ"، وذلك لتتيح للجنة المختصة مراجعة الخلفية العلمية للباحث والتأكد من أصالة عمله وخلوه من الاستلال أو الانتحال الأكاديمي.
لكن، على ما يبدو، فهناك من يعتبر هذه الإجراءات مجرد ديكور شكلي يصلح فقط لغير "المحسوبين". ففي هذه الجامعة، رفض أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية الإعلام، المتقدّم إلى رتبة "أستاذ"، إرفاق رسالتي الماجستير والدكتوراه، وكذلك الأبحاث التي تم على أساسها ترقيته إلى رتبة "أستاذ مشارك"! والسبب؟ بسيط جدًا: لأن "الواسطة أقوى من القانون"، ولأنه – ويا للغرابة – من حلفاء الرئيس، ومن كتاب "التدخل السريع" الذين يملؤون الفضاء دفاعًا عن "سعادته" صباح مساء.
المذكور، وهو من كلية الإعلام، دأب على نشر مقالات لا تخلو من الإشادة المستمرة بعبقرية الرئيس وإنجازاته الخارقة، حتى باتت نصوصه أشبه بتقارير علاقات عامة أكثر منها مقالات رأي أكاديمي حر. وهذا، على ما يبدو، كان جواز سفره الذهبي لعبور كل المعايير الأكاديمية.
الطامة الكبرى أن هذا "الأكاديمي الرفيع" حاصل على درجة الدكتوراه من إحدى الدول الشرقية، التي تدرّس بلغتها الأم، ومع ذلك، يقدّم في طلبه عنوان رسالة الدكتوراه باللغة العربية – ذات العنوان المستخدم في رسالة الماجستير! لكن لا أحد سأل: ما مضمون الرسالتين؟ ما اللغة التي كتبت بها؟ وهل بينهما استلال أو إعادة تدوير؟
طبعًا لا أحد يجرؤ على السؤال، فالرجل "من جماعة الرئيس"، وترقيته مضمونة "بالبركة"، لا بالبحث ولا بالرسائل ولا حتى بالحد الأدنى من الإجراءات الشكلية.
هكذا، وفي زمن "الشللية الأكاديمية"، يبدو أن القانون الجامعي والتقاليد العلمية لا تساوي شيئًا أمام سطوة الولاء ودفء العلاقة مع الرئيس، الذي على ما يبدو لم يكتفِ بإدارة الجامعة، بل بات يدير سلم الترقيات على قاعدة "من معنا يُكرَّم، ومن ضدنا يُهمَّش".
ولأن الكوميديا لا تكتمل دون لمسة سخرية سوداء، يُنتظر أن تصدر الترقية قريبًا، ممهورة بعبارات مثل: "استنادًا إلى الكفاءة العلمية" و"وفقًا للأنظمة والتعليمات المعمول بها"... فيا لها من كفاءة، ويا لها من تعليمات!
في الختام، لعل أكثر ما يؤلم في هذه الفضيحة ليس الترقية ذاتها، بل الرسالة المبطنة التي تبعث بها الجامعة لهيئتها التدريسية: اجتهد كما تشاء، وانشر كما ترغب، لكن إن لم تكن من "الدائرة القريبة لفخامة الرئيس "... فمكانك محلك.