مع الاقرار باختلاف الظروف التي تشكلت فيها لجنة الحوار الوطني عام 2011 وما نتج عنها من وثيقة وطنية بشأن عملية الإصلاح الشامل ، إلا أن الظروف الراهنة تستدعي العودة من جديد إلى حوار وطني شامل يأخذ في الاعتبار الوضع الراهن محليا وإقليميا ودوليا ، ويضع الجوامع المشتركة بين مختلف التيارات والاتجاهات السياسية والفكرية والثقافية أساسا للتعامل مع التحديات التي يواجهها بلدنا داخليا وخارجيا على حد سواء .
تنحى الأحاديث عن أوضاعنا الداخلية بصفة عامة منحى السلبية والتشاؤم ، والغضب أحيانا نتيجة الأزمة الاقتصادية ، وغالبا ما يوجه الانتقاد للأداء الحكومي ، سواء بالاعتماد على الحقائق أو الانطباعات ، وفي الحالتين يكون التعبير فرديا أو شخصيا وليس جماعيا أو مؤسسيا من خلال الأحزاب أو النقابات أو هيئات المجتمع المدني ، وحتى في هذا الاطار قد يخالف الحزبي حزبه ، والنقابي نقابته في الرأي لنعود مرة أخرى إلى وجهات النظر الفردية !
على مدى عقد من الزمان لم نتمكن من تشكيل كيانات حزبية تمثل تيارات سياسية وطنية قادرة على التعبير عن توجهات وطموحات الشعب ، والوصول إلى البرلمان بناء على برنامج وطني شامل ، يقود إلى تشكيل حكومات برلمانية ، أي الى الهدف الذي تتحقق من خلاله الديمقراطية المنشودة ، ولا توجد الآن مؤشرات لإمكانية حدوث ذلك على المدى القريب ، وهذا يعنى أن الأجواء السياسية السائدة حاليا ستظل تطبع المشهد الوطني بطابعها العشوائي ، وتجعل جميع الأفكار بلا قيمة أو وزن ، رغم أن دوافعها وطنية وحقيقية وصادقة ، باستثناء تلك التيارات الهشة المرتبطة بأجندات خارجية والتي تحاصر نواياها قوة الدولة من ناحية ، ووعي الأردنيين من ناحية ثانية.
لا بد من الاعتراف بأن الأفكار والمواقف الوطنية التي تؤمن بالدولة ايمانا قويا وثابتا مشتتة إلى حد بعيد ، ورغم ما هي عليه من تناقضات نلمسها في الفضاءات الاجتماعية المختلفة إلا أن محورها الرئيسي هو الحرص على سلامة الدولة وقوتها وصمودها في وجه التحديات على اختلاف مصادرها ، ولكن بقاء هذه الأجواء السياسية على حالها يساهم في تشويه الصورة العامة ، وفي تنامي حالة التذمر والانتقاد للحاضر ، والريبة والشك تجاه المستقبل .
الكلام على عواهنه حالة غير صحية تزيد من تعقيدات الوضع ، ولا تساهم في اقتراح حلول عملية مفيدة ،لأنها باختصار عشوائية غير منظمة ، وأحيانا بلا رؤية ولا روية ، رغم أن تكوين معظمها نابع من الحرص على المصلحة العامة .
هناك فراغ في الحياة السياسية يجب أن يملأ على الفور ، ولا توجد وسيلة أفضل ، وأقرب إلى الممكن المتاح من ايجاد حاضنة لحوار وطني شامل ، بصيغة مؤتمر أو لجنة ، أو أي اطار مناسب ، فالدافع إلى ذلك كله هو وضع الجميع أمام اختبار التضحية من أجل الوطن بالقول والعمل الجاد ، وليس التضحية به بالكلام ، حتى لو كان بريئا وحسن النية !