أخبار البلد -
علّمونا قديما وما زالوا لتاريخه بان الشعب العربي ومنهم الأردنيون يتّصفون بالكرم والنخوة والحميّة والإيثار وقد تكون تلك الصفات كانت في جينات العرب قديما وقد نُقل قصصا عن سيِّدنا عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه كيف كان يسير في الليل يبحث عمّن هو جائع ليسد جوعهم من بيت مال المسلمين وكانت بمثابة وزارة المالية والبنك المركزي للدولة وكذلك اشتهر سيدنا ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه بالغنى وحبُّه للصدقة وبذل المال لمواطني وجيش الدولة , ومن أنفق من ماله الذي يحبه أكّد محبته لله عز وجل وقال تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)صدق الله العظيم ,وهي آية الزكاة ولكن الله عز وجل سماها صدقة لحكمة بالغة وهي أن كلمة صدقة تشير إلى أنها تؤكد صدقهم في محبة الله ، تؤكد صدقهم في طاعته ، لأن أعمالاً كثيرة يأمر بها الدين لا تكلف شيئاً ، ولكن الله عز وجل أودع في الإنسان محبة المال ، فحينما ينفق من هذا المال الذي أحبه يؤكد محبته لله عز وجل،وهذا المعنى ورد في آية أخرى،قال تعالى﴿وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)صدق الله العظيم
أنه يحب المال ، يحب أخذه لا يحب إنفاقه،يحب كنزه لا يحب إعطاء وبالرغم من فإنه أكّد لنفسه أولاً ولمن حوله ثانياً ولربه ثالثاً أنه يحب طاعة الله فالصدقة تؤكد صدق الإنسان و محبته لربه , والصدقة تؤكد صدقهم وتطهرهم ، فهي تطهر الغني من الشح , والشح مرض خطير ، كما أن الورم الخبيث مرض خطير قاتل ينهي حياة الإنسان ، وكذلك الشح مرض خبيث ينهي سعادة الإنسان ، فالإنسان الشحيح إنسان مريض ، ومرضه خبيث ، ومرضه ينهي سعادته ، لذلك الغني حينما يؤدي زكاة ماله يؤكد بهذا الأداء أنه ليس بخيلاً ، وليس شحيحاً ، وكأن أداء الزكاة يطهره من مرض الشح لذلك ورد في بعض الأحاديث( برئ من الشح من أدى زكاة ماله) وأي كنز مهما كان كبيراً إذا أديت زكاته ليس بكنز،وأي مبلغ مهما كان صغيراً وحقيراًإن لم تؤدَ زكاته فهو كنز.
قال تعالى (يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) صدق الله العظيم
فالزكاة تطهر الغني من الشح والفقير من الحقد والمال من تعلق حق الغير به,لأن الله عز وجل بين له من خلال هذا الدين أنه كريم على مجتمعه ، هناك من أعطاه حاجته ، هناك من أدى له زكاة ماله اشترى بها طعاماً وشراباً وثياباً .
وكان هارون الرشيد يسعى دائمًا إلى تخفيف الأعباء المالية على الرعية ، فكان ينشر العدل بين الناس ويرفع عن كل مظلوم ما ظلم ، وقد توسع هارون الرشيد في علاقته بالبلاد الأخرى فكان يكرم الوفود ويرحب بهم ترحيبًا حافلًا وعند رجوعهم لبلادهم يحملهم بأغلى الهدايا وأثمنها .
وفي بلادنا يتباهى اصحاب الملايين من يملك اكثر ومن درجته اعلى من غيره في بعض المجلاّت التي تُعنى بذكر هؤلاء الأثرياء وقليل من هؤلاء الأغنياء من يتصدّق من حرِّ ماله لأعمال الخير لإغاثة ملهوف او مساعدة اسرة عفيفة او مساعدة طالب علم او علاج مريض وترى هؤلاء المتصدِّقين كيف تنموا اموالهم وتزداد ببركة ما يتصدّقون به بينما كثُر من ابناء وطني الموسرين وممن وهبهم الله المال الكثير يتمنّعون عن التصدُّق بالقليل مما لديهم ويكنزون المال في داخل البلد وخارجه وكأنهم سيخلدون في حياتهم او سيدفن المال معهم متناسون ان اموالهم ستذهب بعدهم لورثة يعلم الله كيف سينفقونها هل باعمال خير حُرم آبائهم من حسناتها ام باعمال الشر وسوء السلوك بحيث يعذبهم الله على ما يفعلوه ويحاسب آبائهم على ما خزنوه وكنزوه وحرموا المحتاجين منه .
نحن شعب كله مؤمن بالله ولكن كثير منه غير مؤمن بعمل الخير وكثيرون يعتقدون ان عمل الخير يجب ان يعود عليهم بالدنانير والفوائد الدنيوية من مكاسب ومناصب ولكن يوجد قليلون من ابناء بلدي يفعلون الخير لوجه الله تعالى وتتنامى ارزاقهم اكثر فاكثر وهكذا يستمرون بالعطاء ممّا وهبهم الله وأولئك هم المتّقون.
وعادة تتجلّى صور الكرم والكرامة والعطاء والمروءة في الظروف الصعبة واعتقد ان بلدنا وشعبنا يمرُّ في اصعب الأوقات وادق المراحل كيف لا والدخول لغالبية المواطنين اقل من حد الفقر والذي اعلنته الحكومة منذ عدّة سنوات حوالي ثلاثمائة وثمانون دينارا ومن المتوقع أن لا يقلُّ حاليا عن خمسمائة دينار شهريا وعليه يجب على الموسرين من ابناء الوطن إن كانوا يؤمنون بالتكافل والتضامن والشعور بانهم كالجسد الواحد في هذا الوطن ان ينظروا الى الطبقات الفقيرة وان يُعطوا باليد اليمين دون ان تدري اليد الشمال لتكون خالصة لله تعالى .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " .فكيف إذا كان المجتمع بكامله إلاّ من رحم ربّي يشتكي الفقر والقهر والظلم وقلّة الحيلة فاين الفئة الميسورة لتقف معه وتسهر على بقائه وعيشه بكرامة حتى يقضي الله امرا كان مفعولا .
وإذا لم يستحي بعض الميسورين على دمهم ويكنزون المال وكأنهم لا يخشون حسابا ولا عتابا فعلى الحكومة ان تقرّ قانونا لفرض ضريبة البخل وتكون غراماتها عالية جدّا إذا لم يلتزم المواطن المكلّف بدفعها وتخصم هذه المبالغ من زكاة المال ومن ضريبة الدخل .
اللهم إحفظ هذا البلد آمنا ارضا وشعبا وقيادة وهبْه من فضلك كل خير وسلام .
احمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات البيئيّة
ambanr@hotmail.com
1/10/2018