*بلال حسن التل
واقعة البلقاء التي بدأت بتفجير الفحيص, وانتهت بالقضاء على أعضاء الخلية الإرهابية في وكرهم في السلط, تضعنا أمام شريط متعدد المشاهد, بعضها مضيء يدخل الفرح والطمأنينة إلى القلوب, وهي المشاهد التي رسمها الأداء المتميز لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية, وفي مقدمتها المخابرات العامة, التي تمكنت بفضل حرفيتها المتميزة وأدائها المبهر من الوصول إلى جحر الأفعى خلال اقل من اربع وعشرين ساعة لتحاصره القوة الأمنية المشتركة.
بالتزامن مع هذا المشهد المضيء كانت هناك مشاهد قاتمة حاول أصحابها عن قصد أو عن غير قصد تحويل الضوء إلى عتمة، ومن هذه المشاهد :
إننا في الأردن نكثر الحديث عن ضرورة أن نترك كل شيء للمختصين, لكننا في سلوكنا نناقض ذلك كله, ففي كل حدث يشهده بلدنا, نتحول جميعنا إلى أهل اختصاص, ندلي بدلونا علانية في مجريات الحدث, دون احترام للمختصين, وقد تجلى هذا الأمر في واقعة السلط, عندما نشر بعضهم مقولة إن هناك تسرع بالهجوم على وكر الإرهاب وقد فات أصحاب هذه المقولة أن الإرهابيين رفضوا الاستجابه لنداء القوة الأمنية بالاستسلام, وبادروا بإطلاق النار, فكان لا بدَّ من الرد هذه واحدة.
وأما الثانية فتتمثل بأن للقائد على أرض المعركة أن يتصرف, وفق ما يتوفر لديه من معلومات ومستجدات, ونعتقد يقيناً أن ضباطنا لديهم احترافيه عالية, اثبتتها الكثير من الوقائع, مما ينفي صفة التسرع عن قراراتهم, خاصة إذا تعلق الأمر بحياة جنودهم وحياة المواطنين, بدليل أن القادة هم الذين يستشهدون قبل الجنود, مما يعني أن روح الفداء والسعي لإنقاذ المواطنين هما سيدا حسابات أبطالنا في موقع المعركة, ويقيننا أن حساباتهم تجري بهدوء ولكن بحسم يجب أن نحترمه, ليس لأنهم أهل اختصاص فقط, بل لأنهم يكتبون قراراتهم الحاسمة بدمائهم, وينفذونها بأرواحهم, لذلك فإن من واجبنا احترام مهابة الشهادة والتضحية بالكف عن ترويج الإشاعات التي تستند إلى خيالات مريضة, وليس على معلومات .
المشهد الثاني الذي تجلى فيه عدم احترامنا لأهل الاختصاص, هو التساؤل الذي أطلقه بعضهم عن عدم الإعلان عن أسماء أعضاء الخليه الإرهابية, وقد فات المتسائلين أنه في كل جريمة هناك دواعي تحقيقية, تستدعي الكتمان حفاظاً على سلامة التحقيق من جهة, وخوفاً من تسرب المعلومات إلى جهات ذات صلة بالجريمة, وكثيرة هي الحالات التي تؤكد أن سرية التحقيقات, بما في ذلك أسماء المتورطين والمشتبه بهم هي التي قادت إلى جميع خيوط الجريمة, فما بالك بجريمة بحجم جريمة البلقاء, التي سيأتي وقت تعلن فيه أسماء المتورطين بها, تمهيداً لتقديمهم للمحاكمة, ولنتذكر خلية الرصيفة وكيف أثيرت نفس الأسئلة, حيث لم تعلن أسماء أعضائها إلا بعد انتهاء التحقيقات وتحويلهم إلى المحكمة المختصة .
أمر آخر يجب أن نأخذه بالحسبان, ونحن نتحدث عن أسماء المتورطين بالخليه الإرهابية, وهو ضرورة الإعلان بطريقة لا تؤثر في نسيجنا الاجتماعي, ودون أن نلحق الضرر المادي والمعنوي, بأقارب وعائلات المتورطين, وهو أمر تراعيه أجهزتنا الأمنية التي لا تبحث عن سبق صحفي, كما أنها غير معنيه بإشباع فضول بعض المتطفلين على اختصاصها, لأن همها الوحيد هو سلامة التحقيق.