أن تكون لدينا أزمة اقتصادية معقدة فذلك لا يعني أننا بلد بلا قيمة ولا وزن، والأمثلة كثيرة على دول تعاني من أزمات اقتصادية دون أن تفقد من قيمتها الإقليمية أو الدولية ودول غنية ليست في العير ولا في النفير، فقوة الدولة ومكانتها تقاس بمكانتها المركزية في الصراعات والتوافقات على حد سواء، والإثبات يأتي مما يقوله الآخرون عنها، وليس ما تقوله عن نفسها.
من بين كلام كثير قالته المستشارة الألمانية انغيلا ميركل خلال زيارتها للأردن ومحادثاتها مع جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين "نحن نتلقى من الأردن نصائح إستراتيجية فعالة فيما يتعلق بالوضع في الإقليم" وهذه الجملة تحمل الكثير من المعاني، لكنها ضاعت في ثنايا الحديث عن القرض الميسر وغير المشروط والذي يبلغ مئة مليون دولار لدعم الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي!
الذين يعرفون معنى "نصائح إستراتيجية فعالة" يدركون أنها لا تصدر إلا عن جهة إستراتيجية من حيث الموقع والمكانة والدور، وأنها تحتاج إلى عقل يفكر على مستوى إستراتيجي ويقرأ الأحداث بصورة عميقة وكاشفة وقادرة على التنبؤ بالمستقبل، وما قالته المستشارة الألمانية هو استخلاص لنصائح قدمها جلالة الملك منذ عدة سنوات عندما حذر علنا من مخاطر توقف عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية على المنطقة والعالم، وعندما نبه إلى عواقب خلط الأوراق في الأزمة السورية التي نادى بحلها بالطرق السلمية وبما يضمن سلامة سوريا ووحدة شعبها.
وإذا كانت المستشارة الألمانية قد أشارت إلى مخاطر الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة، فقد ظل جلالة الملك يسأل الجميع لماذا تركتم الأحداث تتطور في اتجاه يسمح لإيران أن تلعب هذا الدور من حيث المبدأ، والأهم من ذلك ما هو ذنب الأردن كي تنعكس الأزمة عليه إلى هذا الحد الذي أدى إلى تفاقم أزمته الاقتصادية والاجتماعية ليأتي القرض الألماني داعما لسداد مديونية تعود معظم أسبابها للوضع الإقليمي؟!
ومع ذلك ها هي السيدة ميركل تقول لا يمكن الحديث عن الأردن دون الإشارة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط، وهي تؤكد مرة أخرى قيمة ودور الأردن في هذه المنطقة من العالم، وكذلك يقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برضاه أو رغما عنه، وبنفس الدرجة من الإقرار بدور ومكانة الأردن يتحدث مستشار الرئيس الأمريكي كوشنير، والمبعوث الخاص غرينبلات مع جلالة الملك، وصولا إلى القمة الأمريكية الأردنية حيث الاعتراف بالأردن رقما مهما في معادلة التسويات في المنطقة وفي نظرية الأمن والتعاون الإقليمية والدولية، وعنصرا فاعلا لا يمكن تجاوزه مهما تصور ضعاف النظر أنه قليل المكانة لأنه قليل المال!
نحتاج إلى قدر من تقدير الذات، واحترام النفس، فلقد بالغ البعض منا في التشريح والتجريح والتقبيح، وفي تشويه صورة بلدنا في أعيننا وأعين غيرنا، وتكاد تتلاشى الغيرة على وطن يستحق منا أن نفخر بتاريخه وبصموده وصبره على ظلم القريب والبعيد!