كلام كثير عن حرب قادمة في المنطقة التي تشتعل فيها حروب صغيرة منذ عدة سنوات، والكلام عن الحرب لا يعني بالضرورة اشتعالها، ولكنه يعني أن احتمالاتها قائمة، خاصة في غياب توجه نحو حد معقول من التفاوض السلمي لحل نزاعات وأزمات متصاعدة، من بينها ملف أزمة الاتفاق النووي الإيراني، الذي يوشك الرئيس الأمريكي ترامب على اتخاذ قرار انسحاب بلاده منه، يوم الثاني عشر من شهر مايو أيار الحالي أي قبل يومين من توجهه المحتمل إلى القدس للمشاركة في افتتاح سفارة بلاده في المدينة التي اعترف بها عاصمة موحدة لليهود.
إيران تعلن من جانبها أنها لن تكون ملتزمة بالاتفاق الذي اكتسب صفة دولية إذا انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا تحاول جهدها لإيجاد صيغة توافقية تثني الرئيس ترامب عن قراره، وتفرض المزيد من الالتزامات على إيران بشأن الصواريخ البالستية، ونفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
إسرائيل تضغط بقوة على إدارة الرئيس الأمريكي لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، والكنيست يفوض رئيس الحكومة ووزير الدفاع شن الحرب دون الرجوع إلى مجلس الوزراء الموسع، ومراكز الأبحاث تضع سيناريو تلك الحرب وأثرها على بنية الكيان الإسرائيلي مستحضرة عناصر الخوف قبل عناصر القوة والقدرة على خوض أي حرب مباشرة مع إيران، فقرار الحرب في حد ذاته مغامرة مخيفة، وربما يؤدي في اللحظات ما قبل الأخيرة إلى التلاشي كليا، تماما مثلما حدث بين الكوريتين.
في كل الأحوال تتخذ الدول التي قد تتأثر من اندلاع حرب على مقربة منها، أو من انفراج محتمل ناجم عن صفقة معينة جميع الاحتياطات التي تضمن سلامتها، وتصون مصالحها، بمعزل عن العلاقة مع الأطراف الإقليمية والدولية، فعندما تندلع الحروب ينشغل المتحاربون بحربهم، ولا يحك جلدك مثل ظفرك.
يقع الأردن في وسط تلك الصراعات المتأججة، وهو معني بتهيئة وضعه للتعامل مع جميع الاحتمالات، وكلها على ما يبدو تتفاوت بين السيء والأسوأ، لأن الأطراف التي تدفع في اتجاه حرب مدمرة تعتقد أن حربا ما قد تساعدها على وقف انهيارها الذاتي.