على مدى أكثر من ساعتين، حرصت على مشاهدةِ فيديوهين اثنين كان بثّهما بثّاً مباشراً من إحدى قاعات كلية الشريعة في الأردنيّة، أستاذ الشريعة والداعية د. أمجد قورشة. وهي مهمةٌ شاقةٌ وثقيلةٌ تحمَّلتُها لكي أكون منصفةً وموضوعيّةً مع الداعية الذي يثير كثيراً من اللغط حوله.
وابتداءً، فإنَّ الموضوع المثار في هذين الفيديوهين هو، بحسب زعم الداعية، مقارنة أديان، حيث أمسك بيده الكتاب المقدس بجزأيه العهد القديم والعهد الجديد، وبدأ حالةً من القراءة سنتبيّنُ بعد قليلٍ، طبيعتها ووصفها. وإذ تفترضُ مادةُ مقارنة الأديان تأهُّباً علمياً ومعرفيّاً وموضوعياً وأمانة علميّة ونزاهةً، فإنَّ الحدَّ الأدنى من هذ لم يتوافر فيما قدَّمه الأستاذ الجامعيّ، ولم يختلف عما يمكن أن يُقدّمه داعيةٌ "لم يُنهِ الخامس الابتدائيّ"، وهي عبارةٌ وردت على لسان الأستاذ وهو يسخر من أول سطرين في العهد القديم، وأن ما فيهما يخالفُ الحقيقة العلمية التي يعرفها طالب الصف الخامس ابتدائيّ!!
لم يدخل الأستاذ الجامعيُّ إلى مادته إذن بموضوعيةٍ ونزاهةٍ، بل دخل كداعيةٍ لا يهمُّه أن يردَّ إلى مرجعٍ، أو يُسمّي أحداً من أهل البحث والنظر في علوم مقارنة الأديان، بل تبعَ الأسلوب المعتاد لدى الدعاة في تجاهل أسماء العلماء وعناوين دراساتهم، التي غالباً هي تأليفٌ من بناتِ أفكارهم، لمنح كلامهم مصداقيّةً ومتانةً. ومضى يقول: بعضُ المستشرقين، من الحاقدين على الإسلام، كثيرون منهم تركوا المسيحيّة لهذا.... وهكذا. بل إن الأستاذ دخلَ إلى مقارنة الأديان من بابِ أن دينه الذي يدين به هو الأفضل، وليست هذه بغيةَ "مقارنة الأديان"، بل الغاية العلمية هو تتبع أوجه الالتقاء والاختلاف، والظروف التاريخيّة، وطبيعة الخصائص ومفردات العقيدة وأنواع العبادات، والتعرُّف إلى الطقوس، ومعانيها لدى أصحاب الديانة وجذورها التاريخية، بل ونقد الأديانِ كافّةً بلا استثناء.. أي أنَّ علمَ مقارنة الأديان هو علم دنيويٌّ لا علاقة له بعقيدة دارسيه، يضعُ الدارسُ والدارسةُ نفسيهما على مسافةٍ واحدةٍ من جميعِ الأديان محلّ الدراسة، وليست مقارَنةً تلك التي تريدُ أن تنتهيَ إلى أنَّ أحد هذه الأديان هو الأفضل، وإلا فهو الخروجُ الفاضحُ عن الموضوعيّة والأمانة العلميّة، وإلا خرجَ الأمرُ عن مهمة البحثِ والعلمِ النزيهِ إلى مهمة الداعية، وشتانَ ما بينهما! وهو ما اختاره الدكتور قورشة. فبينما المطلوبِ إليه أن يكون، كأستاذٍ جامعيٍّ، على مسافةٍ واحدةٍ من الأديان موضع المقارنة، فإنه لم يستطع أن يتخلّى عن دور الداعية أو المبشّر لدينٍ يدينُ به مستمعوه وطلبتُه، أي أنّه جهدٌ خائبٌ لا قيمةَ له، إلا إذا كانَ المقصودُ بالبثِّ المباشر للمحاضرةِ تحويلَ ال 2 % من مسيحيي الأردن إلى الإسلام، وإقناعهم بالسخريةِ من عقيدتهم أن ثمةَ ما يفضُلُ دينَهم!
شخصيّاً لا أجدُ ما يمنعُ من نقدِ الأديان، على أن يتمَّ ذلكَ بقدرٍ عالٍ من النزاهةِ والتجرُّد العلميّ والتخلي عن الانفعالات والسخرية والتسخيف، وأن ينطبقَ ذلكَ على جميعِ الأديان المدروسة، لا يُستثنى واحدٌ منها، وهو ما لم يفعلهُ الأستاذُ الجامعيُّ الذي يعجزُ عن مغادرةِ دوره كداعية. فهو قد وزَّعَ النقاشَ بين (هم) أي المسيحيين و(نحنُ) أي المسلمين، مستعملاً أكثر التسميات إيلاماً لأتباع المسيح (النصارى)! وهو تقسيمٌ مُغرِضٌ وغيرُ علميّ، حيثُ بدا الداعيةُ كأنَّه في مناظرةٍ شعبويّةٍ بين زغلول النجار والقس الذي أحرقَ المصحف في إحدى الولايات الأميركيّة.
وعلى ذلك، بدت المحاضرتان تحشيداً أيدولوجياً عنيفاً ضد المسيحيين، لا تنتمي إلى مقارنة الأديان بل إلى "صراعِ الأديان"، وهو أمرٌ على قدرٍ كبيرٍ من الخطورة! وخصوصاً أنها امتلات بالسخرية من عقيدة التثليث ومن قصة الخَلق في التوراة، مما كشف عن ضغينة جعلت مواقع التواصل تهيج اعتراضاً وغضباً لم يطفئه الاعتذارُ الباهت الذي قدمه الدكتور قورشة على صفحته على الفيسبوك.
والسؤال الآن: ما الذي على الجامعة الأردنية وكلية الشريعة أن تفعلاه لتبرئة الكلية من تهمةٍ خطيرةٍ، وهي أنها مؤسَّسةٌ لتخريجِ الفكر المتشدّد وبثِّ خطاب الكراهية والإساءة إلى المنهج العلمي في البحثِ والتفكير وتعليم التحيّز والتعصُّب والتناقض مع رسالة الجامعة؟
دعونا لا نفقد الأمل!
وابتداءً، فإنَّ الموضوع المثار في هذين الفيديوهين هو، بحسب زعم الداعية، مقارنة أديان، حيث أمسك بيده الكتاب المقدس بجزأيه العهد القديم والعهد الجديد، وبدأ حالةً من القراءة سنتبيّنُ بعد قليلٍ، طبيعتها ووصفها. وإذ تفترضُ مادةُ مقارنة الأديان تأهُّباً علمياً ومعرفيّاً وموضوعياً وأمانة علميّة ونزاهةً، فإنَّ الحدَّ الأدنى من هذ لم يتوافر فيما قدَّمه الأستاذ الجامعيّ، ولم يختلف عما يمكن أن يُقدّمه داعيةٌ "لم يُنهِ الخامس الابتدائيّ"، وهي عبارةٌ وردت على لسان الأستاذ وهو يسخر من أول سطرين في العهد القديم، وأن ما فيهما يخالفُ الحقيقة العلمية التي يعرفها طالب الصف الخامس ابتدائيّ!!
لم يدخل الأستاذ الجامعيُّ إلى مادته إذن بموضوعيةٍ ونزاهةٍ، بل دخل كداعيةٍ لا يهمُّه أن يردَّ إلى مرجعٍ، أو يُسمّي أحداً من أهل البحث والنظر في علوم مقارنة الأديان، بل تبعَ الأسلوب المعتاد لدى الدعاة في تجاهل أسماء العلماء وعناوين دراساتهم، التي غالباً هي تأليفٌ من بناتِ أفكارهم، لمنح كلامهم مصداقيّةً ومتانةً. ومضى يقول: بعضُ المستشرقين، من الحاقدين على الإسلام، كثيرون منهم تركوا المسيحيّة لهذا.... وهكذا. بل إن الأستاذ دخلَ إلى مقارنة الأديان من بابِ أن دينه الذي يدين به هو الأفضل، وليست هذه بغيةَ "مقارنة الأديان"، بل الغاية العلمية هو تتبع أوجه الالتقاء والاختلاف، والظروف التاريخيّة، وطبيعة الخصائص ومفردات العقيدة وأنواع العبادات، والتعرُّف إلى الطقوس، ومعانيها لدى أصحاب الديانة وجذورها التاريخية، بل ونقد الأديانِ كافّةً بلا استثناء.. أي أنَّ علمَ مقارنة الأديان هو علم دنيويٌّ لا علاقة له بعقيدة دارسيه، يضعُ الدارسُ والدارسةُ نفسيهما على مسافةٍ واحدةٍ من جميعِ الأديان محلّ الدراسة، وليست مقارَنةً تلك التي تريدُ أن تنتهيَ إلى أنَّ أحد هذه الأديان هو الأفضل، وإلا فهو الخروجُ الفاضحُ عن الموضوعيّة والأمانة العلميّة، وإلا خرجَ الأمرُ عن مهمة البحثِ والعلمِ النزيهِ إلى مهمة الداعية، وشتانَ ما بينهما! وهو ما اختاره الدكتور قورشة. فبينما المطلوبِ إليه أن يكون، كأستاذٍ جامعيٍّ، على مسافةٍ واحدةٍ من الأديان موضع المقارنة، فإنه لم يستطع أن يتخلّى عن دور الداعية أو المبشّر لدينٍ يدينُ به مستمعوه وطلبتُه، أي أنّه جهدٌ خائبٌ لا قيمةَ له، إلا إذا كانَ المقصودُ بالبثِّ المباشر للمحاضرةِ تحويلَ ال 2 % من مسيحيي الأردن إلى الإسلام، وإقناعهم بالسخريةِ من عقيدتهم أن ثمةَ ما يفضُلُ دينَهم!
شخصيّاً لا أجدُ ما يمنعُ من نقدِ الأديان، على أن يتمَّ ذلكَ بقدرٍ عالٍ من النزاهةِ والتجرُّد العلميّ والتخلي عن الانفعالات والسخرية والتسخيف، وأن ينطبقَ ذلكَ على جميعِ الأديان المدروسة، لا يُستثنى واحدٌ منها، وهو ما لم يفعلهُ الأستاذُ الجامعيُّ الذي يعجزُ عن مغادرةِ دوره كداعية. فهو قد وزَّعَ النقاشَ بين (هم) أي المسيحيين و(نحنُ) أي المسلمين، مستعملاً أكثر التسميات إيلاماً لأتباع المسيح (النصارى)! وهو تقسيمٌ مُغرِضٌ وغيرُ علميّ، حيثُ بدا الداعيةُ كأنَّه في مناظرةٍ شعبويّةٍ بين زغلول النجار والقس الذي أحرقَ المصحف في إحدى الولايات الأميركيّة.
وعلى ذلك، بدت المحاضرتان تحشيداً أيدولوجياً عنيفاً ضد المسيحيين، لا تنتمي إلى مقارنة الأديان بل إلى "صراعِ الأديان"، وهو أمرٌ على قدرٍ كبيرٍ من الخطورة! وخصوصاً أنها امتلات بالسخرية من عقيدة التثليث ومن قصة الخَلق في التوراة، مما كشف عن ضغينة جعلت مواقع التواصل تهيج اعتراضاً وغضباً لم يطفئه الاعتذارُ الباهت الذي قدمه الدكتور قورشة على صفحته على الفيسبوك.
والسؤال الآن: ما الذي على الجامعة الأردنية وكلية الشريعة أن تفعلاه لتبرئة الكلية من تهمةٍ خطيرةٍ، وهي أنها مؤسَّسةٌ لتخريجِ الفكر المتشدّد وبثِّ خطاب الكراهية والإساءة إلى المنهج العلمي في البحثِ والتفكير وتعليم التحيّز والتعصُّب والتناقض مع رسالة الجامعة؟
دعونا لا نفقد الأمل!