لم يكن خبرا عاديا،الذي تم تداوله يوم امس عن رحيل الروائي العربي السوري حنا مينه صاحب أجمل الروايات التي عاشت معنا سنوات طويلة من عمرنا، انه صاحب رواية « الياطر» و «الولاعة» والثلج ياتي من النافذة ونهاية رجل شجاع والشراع والعاصفة وحكاية بحار الشمس ويوم غائم وبقايا صور والقطاف فوق الجبل وتحت الثلج وصراع امراتين و الذئب الاسود وغيرها.
انها قائمة من الروايات والاعمال الابداعية التي لا تنتهي، وستبقى تشغل حيزا كبيرا في الذاكرة العربية انه يقول « البحر كان دائما مصدر الهامي» فهو ابن اللاذقية عشقه الازلي ويصف نفسه بانه كاتب الكفاح والفرح الانسانيين.
تغذت روحه من الوقوف في وجه الاستعمار الفرنسي منذ الصغر عشق التمرد وعشق البحر والثلج والمرأه والنجوم وحديث المساء وعالم العواصف وحكايات البحر وعالم القبطان وأشرعة الميناء ورجال البحرية .
حنا مينة ليس اسما عاديا في عالم الرواية العربية بل كان ولا يزال عملاقا من عمالقة الرواية العربية وتبقى صوره وحروفه محفورة في الذاكرة العربية وحتى في رحيله المفاجئ، رغم ان اشاعة موته ترددت مرات عديدة منذ عام 2015 وحتى ليل الخامس من اذار اختار ان يقول في وصيته لا تنعوني. لا يريد من يعزي ولا من يتقبل العزاء ولا كل الطقوس المرتبطة بالموت إنه ابن الحياة والليل وذاكرة الجسد.
« انا ابن سليم حنا مينه، والدتي مريانا زكور من مواليد اللاذقية عام 1924 اكتب وصيتي وانا بكامل قواي العقلية وقد عمرت طويلا حتى صرت أخشى ان لا اموت آملا الا يذاع خبر موتي في أي وسيلة اعلامية، فقد كنت بسيطا في حياتي واريد ان اكون بسيطا في مماتي».
هذ جزء من السرد النصي في وصيته التي يعتذر فيها عن طلبه أن يحمل على نعش يحمله اربعة اشخاص مستأجرين من دائرة دفن الموتى... ويمضي في اختيار مفردات جميلة تتحدث عن طقوس الموت التي يريدها وحيدا بلا وداع.
انه عنوان الدهشة والبحر والنص الجميل والصورة التي تذهب بك بعيدا وتمضي معك طيلة سنوات عمرك،نعم حين تقرأ رواياته لاول مرة تشعر انك تحتاج لاعادة قرأءتها مرات اخرى لتعيش تفاصيلها الجميلة وصور الشقاء الانساني والصراع الاجتماعي في عالم عشقي مجنون.
رحمك الله يا مبدع الامة السورية والعربية يا من منحت اللاذقية جمالا اخر يقترب حد الدهشة في البحر والساحل والليل والقوارب والسفن العابرة.
لا يستطيع موتك أن يكون الا فريدا رغم وصيتك التي حملت شروطا قاسية على اهلك المقربين وستذكرك اجيال الامة جيلا بعد جيل فمن لم يقرأ روايتك الابداعية فقد ضيع عمره عبثا بلا ذاكرة وصور مسكونة بالعشق الازلي .. رحمك الله يا حنا مينة ابن البحر والليل والنجوم ..