لا الترحيب الفلسطيني بتوقيع الرئيس دونالد ترامب على قرار تاجيل نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس يستحق الاحترام، ولا خيبة الامل الاسرائيلية تستحق التشفي والمباهاة، فكلاهما يعرف حجمه ومكانته من الفلسطينيين والاسرائيليين لدى الاميركيين، وكلاهما يُدرك ان وعد ترامب خلال حملته الانتخابية مثيل لما سبق ان وعد به المرشحون للرئاسة كلينتون وبوش واوباما، لتنفيذ قرار الكونغرس الصادر عام 1995 بنقل السفارة، وثلاثتهم قاموا بالفعل نفسه الذي قام به ترامب بعد ان وصلوا الى البيت الابيض وقرروا تاجيل تنفيذ قرار الكونغرس .
قرار ترامب لم يكن مفاجئاَ، بعد ان بذل الملك عبد الله والرئيس السيسي والامير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد، جهودهم نحو الرئيس الاميركي، وبعدما عرف الرئيس من اجهزته الامنية ودوائر صنع القرار ما لم يكن يعرفه من قبل وهو مرشح في مرحلتي التنافس مع المرشحين الجمهوريين الخمسة عشر الذين هزمهم، وفي مواجهة كلينتون الديمقراطية التي فاز عليها .
لا جديد في قراره تاجيل نقل السفارة فهذا كان متوقعاً، وان كان اعطاه زخماً اقوى واملاً قد يتحقق بفعل تصريحاته الحمساوية في الانتخابات، وبفعل شراكة ثلاثة من قيادات حملته من اليهود الذين يدينون بالصهيونية كوشنر وجرينبلات وفريدمان .
المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي ليس دولة صديقة للولايات المتحدة الاميركية وحسب، ولو كانت كذلك فهنالك دول اهم منها مثل كندا والمانيا وبريطانيا واليابان وحتى السعودية وبلدان الخليج العربي، فهذه الدول تقدم خدمات وشراكة مفيدة للولايات المتحدة، بينما المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، يُشكل عبئاً واستنزافاً للولايات المتحدة لا تقوم به دولة صديقة للاميركيين، ولذلك ليست " اسرائيل " مجرد دولة صديقة للمصالح الاميركية، بل هي جزء من السياسة الداخلية للولايات المتحدة، تاثيرها فاقعاً في الانتخابات يتم توظيفها كعنصر مزايدة واداة تنافس بين المرشحين لمواقع الولايات، نظراً لما تتمتع به الطائفة اليهودية من نفوذ اعلامي ومالي وسياسي داخل المجتمع الاميركي .
لقد كان الرئيس اوباما اكثر الرؤساء حزماً ومواجهة لسياسات تل ابيب وضد اليمين الاسرائيلي الحاكم، وتصادماً مع نتنياهو، الذي كان اكثر وقاحة من اي رئيس وزراء سابق في تعامله مع الرئيس الاميركي، ومع ذلك قدم اوباما خلال ولايته ما لم يقدمه رئيس من قبله فقد رفع حجم المساعدة المالية من ثلاثة مليارات الى ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون دولار سنوياً لعشر سنوات مقبلة من 2018 الى 2028، ودعمهم بطائرات اف 35 الاقوى في العالم، وزيادة على ذلك لم يملك اوباما شجاعة الاقدام على اتخاذ قرار لمعاقبة نتنياهو على افعاله، والمرة الوحيدة اليتيمة التي ملك فيها شجاعة الاقدام على معاقبة تل ابيب، تم ذلك بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الامن 2334 الصادر يوم 23/12/2016، بعد ان فشلت كلينتون وخاب امل الديمقراطيين في الوصول الى البيت الابيض واخفقت امام منافسها الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 .