بدأ اهتمام أميركا بالجزيرة العربية والخليج العربي كساحة تبشير، وانتهى كساحة نفط وتكرير، فقد تأسست الإرسالية التبشيرية الأميركية الأولى للجزيرة العربية العام 1899، وأوقفت أعمالها -إثر اكتشاف النفط وحلول الثراء العام 1924. وبعد ذلك وبشراكة مع شركة تكساس للنفط، أسست شركة النفط العربية الأميركية أرامكو العام 1934، وصارت الجزيرة العربية عموماً والسعودية خصوصاً الحليف النفطي الإجباري لأميركا، وهو حلف سعت إليه السعودية منذ عهد الملك فيصل آل سعود المؤسس، الذي رأى في أميركا أنذاك، دولة قوية بلا تاريخ استعماري في المنطقة، وسعى لأن تلعب دور الحليف والحامي العسكري بدلاً من فرنسا وبريطانيا.
ورغم متانة العلاقة الأميركية السعودية، إلا أنها مرت بمراحل توتر أهمها؛ مرحلة الحرب النفطية العام 1973 على خلفية موقف أميركا الداعم لإسرائيل، ومؤخراً على خلفية موقف أميركا المتحول نحو ايران والمبتعد عن الشرق الأوسط والخليج العربي، ذلك الموقف الذي غذاه موقف شعبي أميركي معاد للسعودية، بعد ان تبين ان غالبية منفذي هجوم البرجين في أميركا هم من الجنسية السعودية، فقد بدأت بعد ذلك الهجوم حركة معادية للسعودية في الكونغرس الأميركي تمثلت في محاولات وضع قانون يمنع تسليح السعودية، ناهيك عن الترويج لإيران والتقرب منها بدعوى إنها بلد ديمقراطي!!
إيران شكلت توتراً في المنطقة منذ إعلان الثورة الإيرانية، ومجاهرتها بتصدير الثورة؛ اي بتصدير المذهب الشيعي الإمامي، والتي لم تخف عداءً شعبياً للنظام السعودي، تمثل في حرق مواطنين إيرانيين للسفارة السعودية في طهران مرتين العام 1987 والعام 2016، ناهيك عن دعم النظام الإيراني لمتمردي المنطقة الشرقية في السعودية وكذلك التدخل في البحرين ومد نفوذها في العراق ولبنان وسورية، وأخيراً تسليح ودعم الحوثيين في اليمن. ولهذا فإن ايران حالة عداء واضحة بسلوكها ودستورها لا يمكن تجاهله، ولكن من الموضوعية القول أيضاً إن نجاح إيران وتمددها في الدول العربية لم يكن بسبب عبقريتها السياسية بل يعود أساساً لفشل الأنظمة العربية في العراق والخليج العربي باحتواء مواطنيها الشيعة وإدماجهم في الدولة كمواطنين بكامل الحقوق والواجبات؛ حيث شهدت وما تزال تشهد الدول العربية تهميشاً فعليا لهم على الصعيدين الاجتماعي والسياسي.
صحيح أن إيران على الحدود مع دول الخليج العربي ولن تختفي، وهذا بالضبط مكمن القلق للنظام السعودي، والذي دفعه لعقد صفقة تاريخية أرغمت بالمال عدوها الأول في الإدارة الأميركية السيد ترامب، بإعلان حلف عسكري تاريخي معها، وإن كان من المفهوم أن تسعى السعودية لإقامة هذا الحلف الذي يعتبر أكبر صفقة عسكرية في التاريخ خصوصا أنها تمتلك القدرة المالية عليه فإنه يجب التحذير من الانجرار وراء التجييش الديني واعتبار الصراع في المنطقة صراعا سنيا شيعيا، فلا يجوز قبول مثل هذه الحروب الدينية لأن أعظم خطر لمثل هذه الخديعة هو دفع الشيعة العرب لينضموا إلى إيران رغم ان هؤلاء مواطنين وليس من الحكمة فرزهم دينياً بل يجب دعمهم ومنحهم كامل الحرية في ممارسة معتقداتهم داخل دولتهم الوطنية.
كما يجب التنبيه للمخطط الصهيوني الذي يهدف الى تحويل الصراع في المنطقة من صهيوني عربي الى عربي إيراني، وتذويب القضية الفلسطينية واعتبارها خلافا جانبيا. وقد حذر جلالة الملك عبد الله الثاني في موقف تاريخي له وللأردن حين قال لترامب في السعودية: "لا يوجد ظلم ولـّد حالة من الغبن والإحباط أكثر من غياب الدولة الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية في المنطقة، وهو ما أدى إلى امتداد التطرف وعدم الاستقرار ليس في منطقتنا فحسب، بل أيضاً إلى العالم الإسلامي".
إن أعداء الأمة العربية دخلوا ويدخلون إليها عبر بوابة اضطهاد الأنظمة العربية لشعوبها وهو أمر لن تفيد معه التحالفات العسكرية، ذلك أن الحلف الحقيقي يتمثل في تمكين الجبهة الداخلية للدول العربية بترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق المواطنين ومنحهم أقصى درجات الحرية في ممارسة معتقداتهم مهما اختلفت وتنوعت، فهذا هو الذي يحصن المواطن ضد دعوات العنصرية والطائفية، ويمهد لتحقيق اندماج جميع مواطني الدولة الوطنية تحت شعار سيادة القانون، وإلا ستكون هناك حروب دينية وأهلية قذرة لن تبقي ولن تذر يستفيد منها ترامب وصحبه.. وإن التاريخ لناظره مبين!!
الحلف الحقيقي
أخبار البلد -