في اللوحه عائله قرويه من خمسة أشخاص الوالدين وثلاثة أبناء في مشهد حميمي جميل يجلسون على طاوله لتناول وجبة العشاء بعد يوم متعب من العمل في الحقول في كوخ خشبي يُضيئه فانوس يُلقي بضوء أملٍ خافت بتغير هذا الواقع وعلامات الرضا باديه على وجه الأب والأم , الإبنه الكبرى تنظر إلى شقيقها الأكبر بنظرات فيها الكثير من الشفقه والعطف وهي تلاحظ سخطه وتذمره من الطعام وتكراره كل يوم وهو غير مهتم بها ويوجه كل نظراته إلى والدته المستغرقه بصب الشاي وكأنه يلومها على هذا الطعام الذي تعده كل يوم من البطاطا نظراً لرخص ثمنها , الإبنه الصغرى تظهر أو أراد أن يظهرها فان كوخ وكأنها غير مهتمه بهذا العالم من خلال عدم إظهار تعابير وجهها أو إنفعالاتها .
كنت منذ أكثر من عشرين عاماً ولا زلت متذوقاً وباحثاً في المدارس الفنيه القديمه والحديثه وشاهدت الآلاف من اللوحات الجميله ولكن لا أعلم للآن لماذا إرتبطت هذه اللوحه بتفكيري وآراها ماثله أمامي في كل مشهد حياتي قاسي أصادفه وخاصه هذه الأيام .
في اللوحه الوجوه غير جميله وتعابيرها قاسيه وألوانها كئيبه ولكنها تأسرك وأن هناك ما يشدك إليها ليجعلك تعيش بداخلها وكأنك تجلس معهم على نفس الطاوله وتحاورهم وتأكل معهم فتشعر وكأنك تتذوق البطاطا وتشم رائحتها من خلال البخار المتصاعد منها ولو سألتني عن السبب ..؟ سأُجيبك على الفور لأنها نحن وهي من تُمثلنا وممن يشبهوننا من الكادحين والفقراء وممن يعيشون على هامش الأمل والحياه .
هذه اللوحه قد تم الإنتهاء من رسمها قبل مائه وإثنان وثلاثون عاماً وكانت البطاطا في ذلك الوقت هي الماده الأرخص وهي الماده الغذائيه الوحيده التي كان الفقراء يستطيعون تناولها فماذا لو أن فان غوغ يعيش بيننا الآن وطُلب منه أن يعيد رسم لوحة آكلي البطاطا الآن وخاصه أن البطاطا الأغلى ثمناً في هذا الوقت من بين الخضروات وتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد منها الدينار والنصف وأن الفقراء الآن لا يستطيعون شرائها فكيف سيرسمها ...؟
ما أنا متأكد منه أن سيقوم في البدايه بإستبدال العائله من فقراء إلى أغنياء والكوخ إلى قصر مُضيء وسيكون الأشخاص محور اللوحه أكثر جمالاً وألوانها أكثر إشعاعاً وتفاؤلاً وسيظهرهم وهم يتلذذون بأكلها .
الكاتب : عضو جمعية الكٌتاب الإلكترونيين الأردنيين