خرجت قضية الموصل وتحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية – داعش عن محيطها الوطني العراقي ، وتحولت إلى عدة عناوين مختلفة وهي :
أولاً : الصراع على الموصل وما حولها لم يعد مقتصراً على تخليصها من سيطرة داعش وأفعالها وخياراتها السياسية المتطرفة ، بل تجاوز ذلك للصراع على مستقبلها وكيف تكون ؟ ولمصلحة من ؟ وتحت سيطرة من ؟ فالمدينة الثانية للعراق ، ستحدد شكل نظامه السياسي المستقبلي ، أتكون تحت هيمنة أحزاب وفصائل ولاية الفقيه ، أم جزءاً من كردستان العراق أو يقتطع من ولايته بعضاً من الجغرافيا لصالح الأقليم الكردي ؟ أم مدينة مختلطة عربية تركمانية كردية ؟ .
لقد تفردت طهران بإدراة العراق مع الأميركيين منذ الأحتلال عام 2003 ، وهو تفرد حصيلة تفاهم بين إيران والولايات المتحدة ، وهذا يعود لسببين أولهما أن العاصمتين لا تريدان التصادم مع بعضهما البعض ، وسجلا تفاهما ونجاحا في التوصل إلى الأتفاق النووي ، والأتفاق النووي تم على خلفية التحالف بينهما في مواجهة السوفيت في أفغانستان وفي مواجهة القاعدة بعد ذلك ، كما تم على خلفية إتفاقهما لإسقاط نظام البعث والرئيس الراحل صدام حسين وعليه تم تجديد التفاهم ومن ثم الأتفاق بينهما لعدم التصادم وصولاً إلى السبب الثاني : وهو العمل المشترك للتخلص من تنظيم داعش .
الصراع بين المكونات العراقية الثلاثة الأكراد والسنة والشيعة ، كان أحد عناوين الفشل في مواجهة داعش وسيطرتها على شرق والشمال السني من العراق ، ولولا التدخل الأميركي وتأثيره وتفاهمه مع إيران لما إستطاع الأميركيون توحيد الجبهة الثلاثية المكونة من الأطراف العراقية الثلاثة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية داعش ، وقيادة معركة تحرير الموصل .
الأتراك لم يسكتوا على إبعادهم من التفاهم الأميركي الإيراني وأن يتم بدونهم أو على حسابهم ، ولهذا تدخلوا مباشرة ولم يسمحوا لسير المعارك ضد داعش بدون تدخلهم لأنهم في النهاية سيخرجوا من مولد العراق بلا مكاسب ، بل وبخسائر جسيمة ، كونهم أشد الأطراف عداء للأكراد ولتوجهاتهم نحو الأستقلال ، ذلك أن نجاح كردستان العراق في إقامة الحكم الذاتي شبه المستقل ، وإنتقال التجربة الكردية العراقية إلى شمال شرق سوريا سيؤثر بشكل مباشر على أمن تركيا ووحدتها كونها تضم القسم الأكبر من أكراد أسيا الموزعين المشتتين ما بين إيران والعراق وسوريا وتركيا ، فهي تضم حوالي 20 مليون كردي على أرض تركيا ومحافظاتهم موحدة في أقصى وجنوب تركيا ومحاذية لكل من سوريا والعراق وإيران مما يشكل تطور القضية الكردية ونجاح قياداتها في الأقتراب من الحكم الذاتي شبه المستقل ورغبة في الأستقلال ، يشكل هذا فشلاً لتركيا وهزيمة لتماسكها وخطراً على وحدة أراضيها وشعبها ، في ظل فشل الأتفاق على وقف إطلاق النار بين أنقرة وحزب العمال الكردي التركي .
التدخل التركي في العراق يتم خدمة لمصالح تركيا في الأساس ، كما هو التدخل الأيراني المكرس لمصلحة الدولة الإيرانية ، وليس دفاعاً عن السنة كما تدعي تركيا ، وليس رغبة في تقوية الشيعة كما تدعي إيران ، بل إن كل من العاصمتين تعمل لصالح تعزيز نفوذها في قلب العالم العربي عبر العراق وسوريا والخليج العربي واليمن ، وهما تتصارعان على نفس المنطقة مع أن العاصمتين تلتقيان على محاربة داعش ومحاربة الأكراد في نفس الوقت ، ولكن التدخل التركي على كل سلبياته يُقدم خدمة للشعب العراقي وللعرب ، لأنه يخلق حالة من التوازن المفقود بين العرب وإيران ، فالدولة الإيرانية لديها نفوذ وإمتداد في قلب العالم العربي من خلال أحزاب ولاية الفقيه من حزب الله اللبناني إلى أنصار الله اليمني إلى فصائل الحشد الشعبي العراقية وأحزاب عديدة وتنظيمات ممتدة في بلدان الخليج العربي ، مما يؤثر ذلك بشكل مباشر على الأمن القومي للبلاد العربية ، ولهذا يشكل التدخل التركي أداة ردع لإيران وميزان توازن في منطقتنا .
العرب ونظامهم السياسي على ضعفه وتشتته بحاجة للتماسك ووحدة الموقف ، لعل قمة عمان المقبلة تقدم لهم هذه التوجه وتفعيل رافعة لهم عبر تقديم رؤية سياسية تقوم على التفاهم وإحترام المصالح والندية وحسن الجوار في العلاقة والتعامل مع بلدان القوميات الكبيرة المحيطة بعالمنا العربي وهي تركيا وإيران وأثيوبيا ، وعلى أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض ، وحماية مصالحنا من تدخلات الأخرين في شؤوننا .
التوغل الأيراني ، والتدخل التركي ، والأستفزازات الأثيوبية ، وإستعمار فلسطين وتهويد القدس وأسرلتها ، لن يتصدى له ويقف في وجهه سوى وصول العرب إلى الحد الأدنى من التفاهم فيما بينهم وتوحيد جهودهم ومواقفهم وسياساتهم مع بعضهم البعض ، وأن يكونوا جميعاً ضد توغل الأخرين وتدخلهم وفرض سيطرتهم على حساب أمننا وكرامتنا كعرب .
h.faraneh@yahoo.com