قدمت ثورة الربيع العربي ، رؤية سياسية جديدة تقوم على قيام حكومات برلمانية حزبية لدى الانظمة الملكية ، ورؤساء منتخبون لدى الانظمة الجمهورية ، وهي رؤى قادها المغرب والاردن لدى الصنف الاول ، وقادتها تونس ومصر لدى الصنف الثاني .
رؤى سياسية حديثة لا تعني أن المسار يسير وفق خط مرسوم هاديء وتدريجي بالمعنى الايجابي ، بل ثمة معيقات جوهرية تقف في وجه هذا المسار وتعمل ضده من قبل طرفين نافذين :
أولهما : من قبل أحزاب التيار الإسلامي الجهادي الذي يرفض فكرة الانتخابات والتعددية ويعمل ضدها .
وثانيهما : من قبل قوى الشد العكسي التي لا تقل رجعية وتخلفاً عن أحزاب التيار الإسلامي الجهادية ، من حيث تسلطها وإمتلاكها لأدوات الهيمنة والتفرد وتغولها على باقي مؤسسات الدولة ، وخاصة السلطة التشريعية حيث تتحكم بنتائج صناديق الاقتراع عبر قوانين إنتخاب غير عادلة وذات مضمون تمييزي ، رغم كل الاجراءات المتبعة التي توحي بالشفافية وعدم التزوير ، كما تتحكم مؤسسات الدولة بصناعة الرأي العام عبر نفوذها وتأثيرها على الاعلام المرئي والمسموع والالكتروني من خلال برمجة منظمة ، وسياسة منهجية للتقليل من قيمة مؤسستي البرلمان والاحزاب والاساءة المتعمدة لهما لجعل عامة الناس لا يثقون بنتائج عمل الشعب ومؤسساته وإفراز خياراته .
في المغرب تقدمت التجرية والاجراءات والسياسات خطوات جوهرية إلى الامام عبر شرعنة الدستور من خلال الاستفتاء الجماهيري على مضمونه ونصه يوم 29 تموز 2011 ، وإجراء الانتخابات على أساسه مرتين متتاليتين الاولى في 25/11/2011 ، والثانية يوم 7/10/2016 ، وفي الحالتين خلال دورتي الانتخاب الاول والثاني نجح حزب العدالة والتنمية في الحصول على موقع الحزب الاول من حيث عدد المقاعد البرلمانية ، وشكل عبد الاله بن كيران أمين عام حزب العدالة والتنمية ، حكومته البرلمانية الاولى لمدة خمس سنوات مع أحزاب برلمانية شريكة ، مثلما هو الان بصدد تشكيل حكومة مماثلة تستند لنتائج دورة الانتخابات الثانية وإفرازاتها الحزبية .
بينما نحن مازلنا هنا نتخبط في التجربة ، عبر سياسة تضليل لا تقدم قانون إنتخاب يقوم على دعم وتطوير أحزاب سياسية وصولاً إلى حكومات برلمانية ، والحجة هي أن أحزابنا لم تنضج بعد ، وشعبنا لم يثق بالاحزاب بعد ، ومقارنة مع التجربة المغربية فقد حصل حزب العدالة والتنمية على 125 مقعداً في البرلمان الجديد بعد أن مر بتجارب متطورة حينما حصل على 9 مقاعد عام 1997، إلى 47 مقعداً عام 2007 ، وإلى 107 مقاعد عام 2011 ، بينما حزب الاصالة والمعاصرة الموصوف على أنه حزب الملك فقد تأسس عام 2008 فقط ونال في إنتخابات عام 2011 على 45 مقعداً وها هو يتقدم إلى الامام ونال في إنتخابات عام 2016 ، 102 مقعداً ، ولتقريب الرؤية فهذا الحزب ، حزب الاصالة والمعاصرة هو حزب لو أعطيته الصفة الاردنية فيكون الحزب الذي يضم في صفوفه عبد الرؤوف الروابدة وعبد الهادي المجالي وكمال ناصر وخليل عطية وصخر دودين ومنذر حدادين وعودة قواس وفواز الزعبي وعاطف الطراونة وسعد هايل السرور وصلاح البشير ويمكن أن تتسع جنباته لضم مروان المعشر ومصطفى الحمارنة وبسام حدادين وجميل النمري وكل من هم في صف هؤلاء وولائهم وخياراتهم ، ولكن ذلك مشروط بشرط جوهري وهو أن يكون ذلك نتيجة إفرازات قانون إنتخاب يقوم على القائمة الوطنية على إمتداد الاردن ، وتتشكل الحكومة على أساس إفرازات الانتخابات النيابية وليس على أساس المحاصصة الجهوية حيث يتم توزير الشخصيات حسب إنتماءاتها العشائرية من المحافظات إلى الحد الذي قامت الدنيا ولم تقعد حينما تشكلت وزراة خالية من وزير من إربد ، ووزارة أخرى خالية من وزير كركي ، وثالثة من وزير لا يمت بصلة إلى معان ، ورابعة لم تضم وزير من الطفيلة ، وهكذا يتم ترسيخ التوزير العشائري والجهوي وتمثيل المحافظات ، وتكريس الوزراء على أساس جهوي بعيداً عن الرؤى السياسية والبرامجية والحزبية وبلا غطاء برلماني وهذا هو السبب الاول والعامل الاقوى والدافع المحفز لترسيخ الجهوية على حساب الهوية الوطنية الاردنية الجامعة ، والانحياز للجهوية والعشائرية لأن العشيرة والمحافظة والجهوية هي مفتاح وبوابة الوصول إلى الوزارة وليس بوابة العمل الحزبي ، والدلالة على ذلك أن الحزبيين لم يتقدموا للترشيح إلى عضوية مجلس النواب وفق عضويتهم الحزبية بل وفق هوياتهم الجهوية والعشائرية ، وهذا هو الاسلوب وأداة القوى المحافظة التقليدية وقوى الشد العكسي لتكريس رفض الحزبية والبرامجية وإضعافهما وإبعاد قيم مبدأ تداول السلطة وفق إفرازات صناديق الاقتراع ، وحصيلة قانون الانتخاب ، فالقانون هو الاساس وهو المرجعية وهو الدلالة على مصداقية التوجه نحو حكومات برلمانية حزبية من عدمها .
وثاني الادوات المستعملة هي توجيهات الاعلام بأصنافه المختلفة لتشويه صورة البرلمان المنتخب ونوابه ، وتشويه صورة الاحزاب ورجالاته بما فيها تشجيع قيام أحزاب صورية لشخصيات جاهلة لا تُؤمن لا بالعمل الحزبي ، ولا بالعمل الجماعي ، ولا بالعمل التطوعي بل يعتقدون أن تشكيل الحزب يمنحهم الوجاهة لتصدر المشهد " الطبايخي " والولائم والدعوات من قبل الحكومة والسفارات وغيرها من أدوات حضور الحفلات والوجاهة . ولادة حزب الاصالة والمعاصرة الاردني يحتاج لأرادة سياسية تعتمد قانون إنتخاب قائمة وطنية ولعاملين إضافيين هما إعطاء التعليمات لهؤلاء ولغيرهم في تشكيل الحزب ، وتقديم الدعم والتغطية المالية المطلوبة فتتحول عبر سنوات قليلة إلى دولة دستورية ذات حكومات برلمانية حزبية ، عندنا في الاردن .
h.faraneh@yahoo.com