من الطبيعي أن تصف حركة فتح مبادرة د . رمضان شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي أنها " غير واقعية " لأن مبادرة " النقاط العشر " تطالب بوقف التنسيق الأمني ، وإلغاء إتفاق أوسلو ، والتراجع عن الأعتراف المتبادل بين منظمة التحرير و " إسرائيل " ، وهي مطالب مهما بدت مشروعة وتستحق التوقف وإعادة النظر بها نظراً لتراجع المشروع الإستعماري التوسعي عن مضامين أوسلو وعدم إستكمال خطواته نحو وقف الأستيطان ، والأنسحاب التدريجي من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وصولاً لإنهاء الأحتلال ، ولكن تنفيذها الأن مُتعذر .
ومن الطبيعي جداً أن تعلن حركة حماس ترحيبها بمبادرة أمين عام حركة الجهاد لأنها تتقاطع مع مواقفها السياسية ، والمبادرة لا تُطالب حماس بإلتزامات مماثلة ولا تفرض عليها إستحقاقات ضرورية مثل وقف العمل بإتفاق التهدئة الأمنية الموقع يوم 21/10/2012 في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي ، وتم تجديده في عهد الرئيس السيسي يوم 26/8/2014 ، ولا تُلزمها بإلغاء مظاهر الأنقسام وأدوات السيطرة وسياسة التفرد في إدارة قطاع غزة وإن كانت المبادرة تطالب بإنهاء وجود سلطتين وكيانين في غزة ورام الله وتساوي بينهما .
والشيء الأكيد إعلان النائب محمد دحلان وترحيبه بمبادرة د . رمضان شلح لأنها كما وصفها توفر الأرضية الملائمة لإستعادة الوحدة الفلسطينية ، التي يعمل لها ويسعى لأجلها ، تنظيمياً ووطنياً .
وبكل الأحوال مبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي مهمة ومفيدة وتستحق التبني مهما تضمنت تقاطعات بين أطراف ، وتعارضات بين أطراف ، بدلالة عدم وجود فصيل واحد أعلن عن رفضه للمبادرة فغالبية الفصائل الفلسطينية رحبت بها ، وإن كان ذلك بدوافع التواضع وبسبب الأخفاق في تحقيق نتائج ملموسة على جبهة الوحدة الوطنية الممزقة ، أو رغبة في عدم إظهار إعتراضه عليها لأنه يتمنى تحقيقها ولا يملك الأدوات لفرضها ، ذلك لأن المأزق الذي تعانيه الحركة الوطنية الفلسطينية هو مأزق جميع القوى والفصائل والأحزاب ، لا أحد متحرر منه أو قادر على الخروج منه ، فالأزمة تعصف بالحركة الوطنية الفلسطينية ، وبمكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة : 1- أبناء مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 بالتمييز والعنصرية ، و2- أبناء مناطق الإحتلال الثانية عبر الأحتلال والأستيطان ، و3- أبناء اللاجئين في بلدان الشتات والمنافي خارج وطنهم ، فالكل الفلسطيني واقع في المعاناة والعذابات المتكررة والمستمرة ، وإن إختلفت درجة معاناتهم من مكون لأخر ، ومن موقع لأخر ، ومن مكان لأخر ، ولكن المكونات الثلاثة أبناء شعب واحد ، يواجهون المعاناة ويتوحدون بالعمل نحو إنهاء عذاباتهم وتحقيق تطلعاتهم المشروعة بإنتزاع المساواة والأستقلال والعودة .
مبادرة أمين عام الجهاد الإسلامي رمضان شلح التي أعلنها بمناسبة مرور 29 عاماً على إنطلاق حركة الجهاد ، حركّت المشهد الفلسطيني نحو قضايا داخلية عالقة ، ودفعت الفصائل والشخصيات وقادة الرأي العام الفلسطيني نحو التحرر من أسر الجدران السياسية والفكرية والتنظيمية المغلقة ، وفتحت بوابات التفكير والجدل والدفع نحو الأهتمام بالذات الفلسطينية ، وكيفية خروجها من مأزق التخلف في مواجهة تفوق المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وهو سبب العلة وأداة العذاب ومصدر حرمان الحرية والأستقلال والحياة الطبيعية ، إلى رحاب العمل المشترك الكفيل وحده بهزيمة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي كما حصل في نتائج الأنتفاضتين الأولى عام 1987 بالتوصل إلى إتفاق أوسلو ، والثانية بالإنسحاب من قطاع غزة .
سبق للجبهتين الشعبية والديمقراطية أن تقدمتا بمبادرات واقعية خلال العشر سنوات الماضية من عمر الأنقسام ، ولكنها لم تجد الأستجابة العملية من قبل طرفي الخلاف الفلسطيني ، وسبق أن وقع الجميع على سلسلة من الأتفاقات والحلول الواقعية جداً ولكنها إصدمت بمعيقات وأجندات ومصالح متضاربة ، فتجمدت وبقيت حبيسة الأدراج والتواريخ والأدراج .
ومن هنا يمكن أن تشكل مبادرة أمين عام الجهاد الإسلامي بارقة أمل وأرضية جلوس تجمع الأطراف الفلسطينية مرة أخرى ، والتلاقي في حضن القاهرة ، بعد أن أخفقت " الرباعية العربية " في خطواتها لتحقيق الوحدة وإنهاء الأنقسام .
مبادرة الجهاد الإسلامي يجب أن لا تموت ، عبر تحويلها إلى وثيقة تراكمية ، والأستفادة منها وجعلها أداة حية طالما أن الجميع لم يرفضها مبدئياً حتى ولو لديهم تحفظات عليها ، فهي تجمع ولا تُفرق ، وحركة الجهاد الإسلامي أثبتت في الواقع العملي رغم إلتزاماتها المبدئية أنها تتمسك بالتناقض الرئيسي مع العدو في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ولا تتوقف أمام خلافاتها وتعارضاتها الثانوية مع الفصائل الفلسطينية الأخرى ، وهي بهذا تُسجل حقاً أنها فصيل ذا مرجعية فلسطينية نقية وخالصة بهذا المعنى وبهذا السلوك المتقدم .
h.faraneh@yahoo.com