المتتبع لعالم الجريمة في بلادنا يلاحظ تردد عبارة (هذا عمل "او سلوك" غريب علي الاردن)، حدث ذلك مع جرائم الاغتصاب بشكل عام ووسط الأطفال (ذكور وإناث) بشكل خاص. كذلك انتشرت جرائم الاحتيال، الدجل والشعوذة وصولا الجرائم ذات الطابع الإرهابي وهي فعلا أمر شديد الغرابة علي المجتمع الاردني. إذا تتبعنا جذور تلك الجرائم ومسبباتها سنجد للفقر والحرمان دور مؤثر فيها. معظم الذين ارتكبوا تلك الجرائم فقراء أو أنهم قد عانوا أنواعا من الحرمان من العيش الكريم، التعليم المناسب ومن البطالة. سنجد ان الجريمة التي كانت محصورة في الرجال بشكل أساسي قد انتشرت وسط النساء والفتيات ومن ضمنها جرائم سلوكية لا أستطيع إيرادها هنا إضافة للتعامل في المخدرات والبغاء الذي بالرغم من كونه فعل مشترك بين الرجل والمرأة ألا أن غالبا ما ينحصر دافع المرأة، عكس الرجل في الجانب الاقتصادي المرتبط بالفقر والحرمان.
كما يقول علماء الاجتماع فان الجريمة انتهاك للقيم والمعايير الاجتماعية، لكن هل هناك ما ينتهك تلك القيم والمعايير أكثر مما يفعل الفقر؟ من هذا المدخل نأتي إلي البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان والتي تنتج الكثير من الأمراض المسببة للجريمة. هنا نجد الكثير من الدراسات التي تهتم بطبيعة الجريمة وحجمها وسط الفقراء في مختلف بلدان العالم. كان ذلك منذ عهد سقراط الذي تحدث عن الفقر باعتباره ( أبو الثورة والجريمة) وصولا إلي الدراسات في هذه الألفية. ربما كان دافع الثورة أكثر وضوحا مجسدا في (الحقد الطبقي) من قبل الفقراء علي الأغنياء الناتج عن الواقع غير الإنساني للاضطهاد والاستغلال. ألا أن دافع الجريمة يعتبر أكثر تعقيدا كما انه يتباين بين مجتمع وآخر ومن وقت لوقت. توصلت عدد من الدراسات إلي إن الفقر يولد (حالة عقلية للإجرام) ناتجة عن الانحطاط الاقتصادي والتفكك الطبقي (الاجتماعي)، تبع ذلك دراسات أكدت ان معظم مرتكبي الجرائم والجانحين ينتمون الي فئة الفقراء والعمال غير المهرة (الحرمان من التعليم والتدريب).
بذلك يمكن ملاحظة انتشار تلك (الحالة العقلية) في مجتمعنا الاردني نتيجة لانتشار الفقر وتفشي مختلف أنواع الحرمان. بهذا الشكل ليس من الغريب انتشار جرائم في غاية الغرابة مثل التشويه المتعمد ، الاعتداء علي الأطفال وقهر النساء، زنا المحارم ، مرورا بتفشي جرائم المرور الناتجة عن عدم التركيز والتوتر الزائد وليس انتهاء بظواهر الإرهاب المختلفة. من هنا فان المتسببون في زيادة معدلات الفقر وتعميق أثاره بحرمان الناس من الحقوق الاقتصادية في العيش الكريم، هم من يتحملون وزر تلك الجرائم. إذا استمرت الأسعار في الارتفاع، خاصة أسعار السلع والخدمات الضرورية بهذا الشكل ألجنوني فمن المؤكد ان الجرائم المرتبطة بالفقر ستتصاعد بوتيرة جنونية مماثلة. من المستحيل تجنب إيجاد (عقلية الإجرام) مع أسعار الغذاء التي لا يطالها ألا الأغنياء وأسعار الدواء التي تساوي 18 مرة المعدل العالمي عبر أجهزة الإعلام والذي جاء من تغطية لفاعلية لمختصي الصيدلة مما يؤكد مصداقيته)، ارتفاع أسعار المساكن، بل حتي أمصال التطعيم التي تم إخراجها من تغطية التأمين ورفع سعرها. كمثال لذلك نشير الي مصل التطعيم ضد وباء فيروس الكبد الوبائي الذي تبلغ تكلفته العاليه بالصيدليات للجرعة الواحدة وهو مكون من ثلاث جرعات للشخص الواحد، وهذا ما يدفع الي الجنون فعلا خاصة مع حساب المخاطر الناجمة عن الإصابة هذا شيء يدفع الي الجنون والي عقلية إجرامية مكتملة العناصر، هل هذا هو المجتمع الفاضل المُبشر به؟ فعلا الفقر هو أب الجريمة ومن المتوقع أن ينجب الثورة أيضا.