أخبار البلد -
كان يوماً مباركاً لأبنائنا الطلبة الأعزاء.. نقشوه بالجدِّ والاجتهاد.. وزيّنوه بالفرح والسعادة .. فكان عرساً لهم ولعائلاتهم .. فلنبارك لهم من القلب نجاحهم في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة.. بعد حصاد زرع طويل وشاق .. في أول خطواتهم نحو مستقبلهم المشرق .. هذا الامتحان الذي أصرت وزارة التربية والتعليم أن تجعل منه امتحاناً وطنياً سيادياً … تكافح من اجل هيبته ورُقِيِّه وتطويرِه .. ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلةٍ .. أو بوابة للمجهول.. بل ضماناً للمستقبل .
فبعد مخاض مرهق انفض المولد الذي يتكرر مشهده في كل دورة امتحانيه .. في وقت استنفرت فيه وزارة التربية والتعليم كل إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ القرارات الصائبة في الطريق الصحيح في خطوات جادة سعت من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج حتى خرجت بالصورة الميسرة والمؤملة دونما إرباك .. بعد تجاوز كل الظروف التي حملت تحديات جسيمة .. إلا أن ذلك كله زال أمام إصرار وعزيمة الشرفاء من أبناء تكويننا التربوي العتيد .. وفي هذا دعوني أسجل شكري وتقديري للمساعي الحثيثة والمباركة لطواقم المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز والرصد والاستخراج وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الوطني .. وعلى رأسهم معالي وزير التربية والتعليم ومدراء الإدارات وخاصة عميد إدارة الامتحانات والاختبارات وزملائة .
إننا مرتاحون من نتائج هذه الدورة وبما تحقق من انجازات لطلبتنا الأعزاء في مختلف الفروع.. فنسب النجاح كانت بدرجة مقبولة .. فما تشير إليه النتائج أن نسبه الذين حصلوا على معدلات مرتفعة.. هي نسبة معقولة .. مع سلامة الإجراءات التي اتخذتها الوزارة وهذا يشير إلى أن النجاح والتفوق بات من حظ المجتهدين من الطلبة على اختلاف مستوياتهم العلمية .. لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ أهدافهم تحقيقا لطموحهم .. مع إيقانهمِ الراسخ أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياتهم .. ونتيجتها الدراسية غالباً ما تحدد مصيرهم .. حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة من حياتهم التكوينية .. وغالباً ما يكون المتفوق من استطاع التحكم بذاته وظروفه وابتعد عن المغريات والملهيات واختار أقرانه بعناية فائقة ..
ان نتيجة امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لا تعكس مستوى أداء الطالب وقدراته فقط ، بل هي مرآة لقدرات وزارة التربية والتعليم والمدارس والمعلمين وتقييم لقرارات المسؤولين عن العملية التعليمية ابتداء من أعلى سلطة تربوية وانتهاء بالمعلم في صفه .. فالحديث عن تقييم جودة التعليم هو حديث عن اقتصاد المستقبل، وهذا ما يجعل مسألة التعليم اليوم مصيرية.. ولذلك فنحن اليوم بحاجة إلى قراءة نتائج الامتحان وتحليلها لتقييم مدارسنا ، لتقييم مناهجنا، لتقييم أدائنا كمعلمين وتربويين، كما أننا بحاجة أن يكون هذا التقييم بداية لإعادة صياغة أهداف التعليم بصورة حضارية حديثة ومتطورة .
علينا الالتفات إلى منظومة الثانوية العامة الامتحانية بصورتها الحالية ومراجعتها والتحدث عن تعظيم الانجازات والثناء على الجهود الطيبة المباركة التي اعطتها الهيبة والمصداقية والعدل والمساواة وفي نفس الوقت تشخيص جوانب الخلل .. ونقاط الضعف .. بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية..خاصة عند التريث في مراجعة عناصرها واليات عملها .. والعقبات التي ما زالت تعترضها .. كما ونريد أن نقف وقفة جادة أمام التحديات المتكررة ..كما ونريد أن نتحدث ونكشف عن كثير من الإشكالات التي أربكت عملنا كمراقبين ورؤساء قاعات ومشرفين وإداريين وكل من له علاقة في انجاح العمل .. نريد ان نتحدث عن استموات الكثيرين من اجل زج وزارة التربية والتعليم في احراج متعمد وبيان المصالح الضيقة التي تقف وراء ذلك ؟ نريد الحديث عن الاتجاهات السلبية عند بعض من طلبتنا والتي توجههم نحو البحث عن المعيقات والممارسات والأساليب الدراسية الخاطئه .. نريد الكشف عن الأيدي الملوثة التي تحاول المساس بمنظومة تربوية عتيدة عمرها من عمر الأردن .. نريد الكشف عن جوانب الخلل في آليات العمل المتبعة ان وجدت كل عام ..
في نفس الوقت وعند قراءة نتائج الثانوية العامة قراءة متأنية يجب ان نتحدث عن أسباب تدني نسب تحصيل الكثير من طلبتنا في بعض المواد .. وأسباب إخفاق طلاب بعض المدارس بشكل جماعي ؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء تلك الإخفاقات .. ولا داعي للمغالطة والصمت المقيت وترحيل المشكلات للمستقبل المثقل بأعباء تربوية أخرى .. ولا داعي لوضع مبررات وإلقائها على كاهل الضحايا ذاتهم الذين وجدوا أنفسهم في كشوفات الفشل .. و الابتعاد عن نتبنى سياسات تقليدية ان لها ان تتغير فقد اصبحت صيرورة حتمية متوسدة في نظامنا التربوي..ولذلك فإنني اجزم أننا بحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب الحداثة والتطور .
من هنا لا بد من دعوة صريحة.. ندعو من خلالها إلى عمل تقييم عاجل وشامل للعملية التعليمية ومراجعة عامة للمرحلة الثانوية مع الأخذ بتوفير كوادر تعليمية مدربة قادرة على التفاعل مع جميع أركان مجتمع الثانوية العامة وتحفيزها ومكافأتها.. وكذلك تحديد المناهج الدراسية المفاهيمية وبيداغوجيا التعليم وأدوات التقييم التقليدية المختلفة وتقصي المناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية كبدائل قوية للمناهج الرسمية..
وأخيراً دعوني أبارك مرة أخرى لطلبتنا الأعزاء الذين فرحوا بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار .
فكل الحب إلى كل يد مخلصة تأبى إلا العطاء إرضاءً لله عز وجل … وخدمة لتراب هذا البلد الأشم وأهلة المخلصين الطيبين
وأعاننا الله جميعا على تحمل المسؤولية
فيصل تايه