الاولى عام 2008 وسمتها حكومة أولمرت « الرصاص المصبوب « والتي استمرت 23 يوماً وقتل خلالها الف فلسطيني و13 اسرائيلياً .
والثانية في كانون الثاني عام 2012، والتي أطلقت عليها حكومة نتنياهو « عمود السحاب « واستمرت ثمانية أيام، قتل خلالها الف فلسطيني و6 اسرائيليين .
والثالثة بادرت اليها أيضاً حكومة نتنياهو في 2014 وسمتها « الجرف الصامد « واستمرت 51 يوماً قتل خلالها 72 اسرائيلياً وأكثر من الفي فلسطيني، واعتماداً على نتائج الاجتياحات الثلاثة، خلص موشيه أرنز الى استخلاص مفاده فشل نظرية شارون، في ردع اطلاق الصواريخ من قطاع غزة، ولهذا يرى ضرورة دخول غزة بهدف القضاء على قدرة تنفيذ أي عمل مسلح من القطاع، واعفاء سكان المستعمرات المجاورة من تهديد الصواريخ .
بينما يرى غيورا أيلاند مدير الاستخبارات العسكرية الاسرائيلي الاسبق، يرى عكس ذلك تماماً، اذ يرى أن ثمة مصلحة مشتركة قائمة بين اسرائيل وحركة حماس، لان غزة أصبحت بحكم الامر الواقع دولة مستقلة، بكل معنى الكلمة، وأن حماس ليست منظمة ارهابية كالقاعدة، بل حركة سياسية انتخبت بشكل ديمقراطي، تمثل السكان ومدعومة منهم، ويقول : « مصلحة حماس هي أولاً وقبل كل شيء حزبية، فهي تريد أن تحقق شرعية دولية لحكمها في غزة، صحيح أننا أعداء، ولكن هذا لا يعني أن تضارب المصالح بينننا سيبقى بالمطلق، ولما كان هكذا فان اسرائيل يمكنها أن تسمح لحماس أن تحقق مطلبها مقابل هدوء طويل المدى، الهدوء طويل المدى سيستمر اذا كنا سنخلق لحماس الى جانب الردع حافزاً ايجابياً للحفاظ عليه أيضاً، حافز لا يتناقض بالضرورة مع احتياجاتنا الامنية «، وهذا يعني باختصار توظيف تطلعات حركة حماس الاستقلالية لقطاع غزة، مقابل التوصل الى اتفاق مرحلي يوفر وقف اطلاق نار متبادل ودائم، شبيه باتفاقات الهدنة التي كانت قائمة على الحدود الفلسطينية مع كل من لبنان وسوريا والاردن ومصر منذ عام 1948 حتى عام 1967، وهي اليوم مستمرة في لبنان بين حزب الله وعدوه الاسرائيلي وفق اتفاق ترعاه الامم المتحدة .
وجهتا نظر لخبراء سبق وشغلوا مواقع عسكرية وأمنية لدى أجهزة ومؤسسات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي تجعلهما ليس فقط يُقدمان كل منهما مشروعه ورؤيته استناداً لمعطيات، بل تجعل المهتمين والجمهور يستمع لهما باهتمام، وكل منهما يعتمد على المعطيات نفسها، ليصل الى نتيجة مختلفة ويدعو الى قرار مختلف، فالاول يدعو الى اعادة احتلال قطاع غزة، بينما الثاني يدعو الى تعزيز سلطة حركة حماس في قطاع غزة بما يتجاوب مع نزوعها الاستقلالي وشرعنة انفرادها في ادارة قطاع غزة، وكل منهما ينطلق من البحث عن تأمين أقصى مدى ممكن لامن الاسرائيليين وتطلعاتهم .
ما يدور خلف الكواليس، وعبر مفاوضات غير مباشرة، بين حكومة نتنياهو وحكومة حركة حماس مشروع اتفاق يعتمد على تفاهمات القاهرة التي تم التوصل اليها في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي يوم 21/11/2012، وتطويره نحو قاعدة « التهدئة مقابل الاعمار « فحركة حماس تعمل على ردع أي عمل مسلح من قطاع غزة ضد مناطق الاحتلال الاولى عام 1948، سواء عبر اتفاق مع الفصائل الفلسطينية الاخرى وخاصة الجهاد الاسلامي، وعبر ردع عنيف ضد الفصائل الجهادية المرتبطة مع تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الاسلامية داعش، مقابل تحقيق غرضين استمرارية حكمها لقطاع غزة وفك الحصار التدريجي عن القطاع المحاصر، وهو هدف يساعدها على الوصول اليه كل من قطر وتركيا .
الوضع الفلسطيني مأزوم نظراً لانسدادات الافق نحو التسوية مع الاسرائيليين، ونحو المصالحة بين الضفة والقطاع، ولا أحد أحسن من أحد فكلاهما فتح وحماس عبر التفاهم المنفرد من طرفيهما مع عدوهما المشترك، يسعى لحماية سلطته في منطقته وتعزيزها في مواجهة بعضهما البعض، وعلى حساب بعضهما البعض، والثمن هو تكريس مشروع الاحتلال التوسعي وادامته، وتأكل الحقوق الفلسطينية المشروعة وتأخير انتزاعها لسنوات طويلة من جوف الوحش الاستعماري الاسرائيلي .
h.faraneh@yahoo.com