تعد ظاهرة العنف الأسري، من الظواهر السلبية المنتشرة في المجتمع، وليس بالضروري أن يكون هذا العنف جسدياً، بل من الممكن أن يكون عنفاً لفظياً، ولكن ارتبط مفهوم العنف عموماً، بالعنف الجسدي، والذي يلحق الضرر الجسمي بالمعتدى عليه، وقد يسبب له آثار جسدية ونفسية، تدوم لوقت طويل، وتؤدي إلى زعزعة ثقته بنفسه، وجعله يميل إلى الانطوائية والعزلة، وأرى أن هذا العنف من الممكن أن نسميه بالعنف الصامت، وذلك لأن الكثيرين ممن يتعرضون له، لا يفكرون بالدفاع عن حقوقهم الشخصية، ورد اعتبارهم وإيقاف المعتدي عند حده، مما يسبب بتفاقم انتشار هذا النوع من العنف، في العائلات التي يتعرض أفرادها إليه، والذي لا يتعدى عادةً أسوار منازلهم.
يقع العنف الأسري في الغالب، من قبل الطرف الأقوى على الطرف الأضعف في العائلة، بمعنى عنف من قبل الزوج مع زوجته، أو من أحد الوالدين أو كليهما مع أبنائهم، أو بين الأبناء أنفسهم، وفي بعض الحالات قد يكون من قبل الزوجة مع زوجها، ومهما تنوعت أطراف مرتكبي العنف، يظل يفضي إلى نتيجة واحدة، وهي الإيذاء الشديد الذي يلحقه المعتدي بالمعتدى عليه، وما دفعني لكتابة هذا المقال هو قراءتي لخبر الزوجة التي قتلت زوجها بست وأربعين طعنة، من أجل الزواج بشخص آخر، فإن العامل الذي دفعها للقيام بهذه الجريمة النكراء، يشابه ما يدفع مرتكبي العنف للتعنيف، ولكن بالنسبة لتلك الزوجة، مجرد التفكير بارتكاب الجريمة، يكون عندها العقل مستعداً للقيام بالعنف، ويكون تنفيذ الجريمة، آخر مرحلة من مراحل العنف وهي القتل مع سبق الإصرار، وهذا ما ينطبق على الزوجة تماماً.
تشير الدراسات إلى أن أكثر مسببات العنف انتشاراً تكون نتيجة لتعاطي الكحول والمخدرات، بكميات كبيرة جداً، فيفقد المتعاطي حواسه الإدراكية تدريجياً، ليقوم بأي شيء يحلو له، دون وجود أي توجيه مباشر من قبل عقله، ومن المسببات الرئيسية الأخرى الإصابة بالأمراض النفسية، لذلك نستطيع الحكم على كل شخص يمارس العنف بشكل شبه يومي، بأنه يعاني من اضطراب نفسي، فأغلب مرتكبي العنف المتكرر، عانوا منه في مرحلة الطفولة، لذلك يقومون بتطبيقه على أفراد أسرتهم، ويشكل الرجال أكبر نسبة من الأشخاص الذين يمارسون العنف، وخصوصاً مع زوجاتهم، وأبنائهم، لذلك يتعرض الأطفال في المراحل العمرية الصغيرة، إلى صدمة نفسية، بسبب رؤيتهم لوالدتهم تضرب أمامهم، ليظل هذا المشهد مغروساً في ذاكرتهم لفترة زمنية طويلة، قد تمتد إلى مدى الحياة.
أثرت ظاهرة العنف الأسري، تأثيراً سلبياً على الأفراد في الأسرة الواحدة، فالتربية العائلية العنيفة، تنعكس على شخصيات أفرادها في المستقبل، فيؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية، وعدم الثقة بين أفراد العائلة، ليشعر كل فرد يتعرض للعنف على أنه ليس جزءً من عائلته، وبسبب الخوف من تشويه السمعة، وكلام الناس، ونظرة العائلة، يتعرض المعتدى عليه لمزيد من الضرب المبرح، لتتحول الكثير من حالات العنف إلى جرائم قتل، فعندما تتسم الأسرة في عدم الاتزان في تكوينها، يؤدي ذلك إلى تلاشيها كلياً، ليؤثر سلبياً على البيئة المحيطة فيها، ومن ثم على المجتمع كاملاً.
إن صمت المعتدى عليه، على ما يتعرض له، يساعد في زيادة انتشار العنف الأسري، لذلك يجب أن يساهم في إيقاف تعرضه للإهانة والتعنيف مجدداً، من خلال التقدم بشكوى رسمية بعدم التعرض من قبل المعتدي في المركز الأمني، ومن ثم يتم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، فقد تم توفير أماكن آمنة للنساء، والأطفال المتعرضين للعنف الأسري من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، والجمعيات الخيرية وخصوصاً التي تعنى في الحد من انتشار العنف، وتتم في تلك الأماكن متابعتهم من قبل مختصين خاصين في تأهيليهم، ومساعدتهم على تجاوز ما تعرضوا له، فالعنف مهما كان شكله أو نوعه، هو تصرف غير عقلاني وغير منطقي، ولا يمت للإنسانية بصلة، ويؤثر سلبياً على الجميع في الحاضر والمستقبل.
مجد مالك خضر
mjd.khdr@yahoo.com