أظن أن تجربتنا الاستهلاكية الطويلة من الواجب أن تكون علمتنا كيف نساهم في حماية أنفسنا من تغول السوق ، وكبح جماح بعض التجار الذين يميلون فطرياً إلى استغلال الظروف ، وتحويل أحوال الناس الصعبة إلى أرباح صافية تضاف إلى أرصدتهم ، فالتجار طبقة تتوسع على حساب معيشة الناس في كل مكان ما لم تجد وعياً لدى المستهلكين يجعلها اقل ضرراً في سعيها الدؤوب نحو الربح السريع ، ووعي المواطن في الدولة الحديثة يعتبر العامل الأهم في ضبط السوق ، وإحداث التوازن فيه ، من خلال التحكم بمعادلة العرض والطلب ، وكان على الأردنيين أن لا يتحولوا إلى ضحايا بمحض إراداتهم في كل رفع للأسعار ، وهم يملكون القدرة على تحديدها فيما لو أحسنوا ضبط الطلب بصورة جماعية.
وهو ما يؤكد ضرورة عدم إغفال دور المواطن عند مطالبة الحكومات بأخذ دورها في ضبط حركة السوق. وهذا لا يسقط ضرورة وجود أدوات الرقابة الحكومية في السوق ، وذلك عندما لا يدرك المواطنون أنهم يملكون نصف حركة السوق المتمثلة بالقوة الشرائية والتي للأسف لم يتم استخدامها ولو لمرة واحدة في بلدنا لحماية المستهلك من التاجر المستغل لحظة رفع الأسعار ، فلو تدنى الطلب ، وتكدست البضائع في وجوه التجار لاضطروا إلى خفض الأسعار ، واللجوء للتوسع في الدعاية لجذب جمهور المستهلكين.
إلا أننا ساهمنا للأسف سلباً في الحرب التي يشنها التجار علينا بين الفينة والأخرى بالنظر إلى نمطنا الاستهلاكي المتضخم ، وتحولنا إلى مجتمع بلا حول ولا قوة نضطر إلى شراء ابسط احتياجاتنا ، ولا ننتج في البيوت شيئاً وخاصة في الريف ، وبتنا لا نملك بدائل ، وقد تحولت القرى إلى مدن ، وألحقت غذائياً على فاتورة الاستيراد وجفت الحواكير الصغيرة التي كانت تحيط بالبيوت ، وأصبحت اخمام الدجاج البلدي خاوية ناهيك عن زرائب الأغنام التي غدت أطلالا وكانت تمد البيوت بالحليب ، والزبدة ، والجبنة وغذاء المائدة ، هذا غير ما يتم بيعه بالأسواق كإنتاج منزلي ، والبيض البلدي المنتج في القرى كان يساهم في تقليص الطلب على السوق ، والخضروات المنزلية كذلك ، وإنتاج الخبز في الأفران العادية في البيوت يخفف الضغط على المخابز ، وحتى "الابار" في المنازل كانت تعتبر حماية للأسر عند انقطاع المياه.
كذلك تمكن منطقنا الاستهلاكي غير الموضوعي الذي ينطلق من ازدياد أهمية السلعة عند المشتري الأردني كلما ازداد سعرها في السوق إلى تغول التاجر فيحدث التهافت عليها بدلاً من مقاطعتها ، وهذا أدى إلى انتقال السلع من المحلات التجارية إلى بيوتنا على التوالي ، وتخزينها بدلاً من تركها "مرمية" في وجوه التجار ولو لعدة أيام فيضطرون إلى خفض أسعارها ، ولو وجد كيلو أزر زيادة في كل بيت أردني فإن ذلك يعني مئات الأطنان خارج مخازن التجار ، واستهلاكنا غير السليم لهذه السلعة يرتب زيادة غير منطقية على قائمة مستورداتنا منها ، فكم القي في الحاويات من أطنان الأرز والخبز "الشراك" ، وهما مادتان أساسيتان في أعقاب ولائم الأفراح والأتراح الأسبوعية في كل أنحاء المملكة ، هذا غير الولائم الاستعراضية ، فطريقة تعاملنا مع المنسف تهدر مادة الأزر والخبز ، ويتم إلقاؤهما في الحاويات في نهاية العزائم عادة ، ولو تم حساب حجم ما يتم إتلافه من هذه المواد الغذائية بالمناسف على مدار العام في كل المحافظات لأدركنا كيف رفعنا الأسعار ، وساعدنا التجار بنقلنا هذه المواد وغيرها من المراكز التجارية والمخابز وإتلافها في الحاويات ، والخبز الذي يكب أيضا بعد يوم من شرائه بسبب جفافه يعبر عن استهتار بأسلوب المعيشة ، حيث تجده على أسوار البيوت ، ولو أهدر كل منزل في المدن تحديدا رغيف خبز يوميا فكم تكون الكمية المهدورة بالعام الواحد من هذه المادة الغذائية الأساسية ، وهذا هو الفارق بين كمية الخبز الحقيقية المطلوبة ، وبين ما يتم أخذه فعلاً من المخابز ، وانعكاس ذلك بالنهاية على كمية الطحين المستهلكة على مدار العام ، والخضروات التي تشترى بكميات ، ويرمى جزء منها في الحاويات تساهم أيضا بزيادة الطلب على هذه السلعة ، وتخفيض الكميات الباقية عند التجار فيستغلون ويرفعون الأسعار ، وحتى تطويل مدة استخدام الأثاث والملابس تساهم في قمع هذه الفئة المتغولة على حساب جيب المواطن ، الذي ما يزال يعتقد انه بحاجة إلى توعية في هذا الزمن الحديث.
نستطيع معاقبة التجار بإعادة ضبط احتياجاتنا بشكل دقيق ، وأخذها يوماً بيوم ، وعدم اللجوء إلى التكديس ، وكذلك رصد المتلاعبين ومعاقبتهم ، فلا يجوز أن تغلو السلع في أعيننا كلما ارتفع سعرها في المتاجر.
نستطيع معاقبة التجار الجشعين بعدم الشراء من محلاتهم لعدة أيام ليعلموا مجدداً أن المواطنين لهم قوة تأثير على تجارتهم ، ويستطيعون تخريبها ، وان المصلحة مشتركة بين الطرفين ، وليست القضية استغلال حاجات الناس كلما حلت الظروف الصعبة.
علي السنيد