ما زال العالم يثبت قدرته على التغير باتجاهات لا يستطيع أحد أن يتنبأ بها. وما يحدث في ميدان العولمة مثال بارز على ذلك.
كان الاعتقاد السائد أن العولمة انطلقت ولا يمكن الوقوف في وجهها ، فهي تكتسح العقبات وتتصاعد عامأً بعد آخر ، ولن يطول الزمن قبل أن يصبح العالم قرية واحدة يتحرك فيها البشر والمال والسلع والمعلومات عبر الحدود بدون قيود.
هكذا كان الحال على أثر بروز منظمة التجارة العالمية ، وهي العنوان الأول للعولمة ، فقد كانت التجارة العالمية تنمو سنوياً بنسبة تعادل ضعف نسبة النمو الاقتصادي ، مما يؤشر على المزيد من الانفتاح.
قبل الازمة المالية والاقتصادية ، أي في عام 2006 ، حقق الاقتصاد العالمي نموأً بنسبة 5ر3% ، ولكن التجارة العالمية نمت بنسبة 8% ، فالاتجاه العام كان واضحأً ، والعولمة في حالة تسارع كقدر لا يرد.
في عددها الأخير الخاص بشهر كانون الأول 2012 نشرت مجلة فورتشن الأميركية بحثاً حول التجارة العالمية جاء بعنوان: العولمة تسير إلى الخلف. وقدمت وقائع وأمثلة تثبت هذه النكسة المتمثلة في المزيد من الإنغلاق والحماية وفرض القيود وتوقف النمو في التجارة العالمية.
وتدل استطلاعات الرأي على أن ثلثي الشعب الاميركي يعتقدون أن العولمة تلحق الضرر بالاقتصاد الأميركي ، وأنها تغرق السوق الاميركية بالسلع المستوردة وتؤدي إلى هجرة فرص العمل للخارج. وإذا كان هذا حال بلد صناعي متقدم مثل أميركا ، فماذا تقول الشعوب النامية التي ما زالت تفضل العمل وراء اسوار الحماية من المنافسة الخارجية.
ما ينطبق على التجارة العالمية ينطبق أيضاً على الاستثمارات العابرة للحدود ، فقد انخفض حجم هذه الاستثمارات ، أي الأصول المملوكة في كل بلد لمواطني بلدان أخرى بنسبة 20%.
أما حرية انتقال العمالة من بلد إلى آخر : فتواجه بدورها صعوبات متزايدة ، بفضل التشريعات الجديدة ضد المهاجرين التي تفرضها قوى يمينية.
الأردن لم يأخذ بالاعتبار أن العولمة في حالة تراجع ، فما زال يعقد اتفاقيات تجارة حرة مع بلدان يعرف سلفاً أنه سيكون الطرف الخاسر لعدم التكافؤ والقدرة على المنافسة.
للعولمة وجوه إيجابية وأخرى سلبية ، والأردن يأخذ بسياسة الانفتاح على العالم باعتبار أن ليس لديه الكثير مما يخسره ، وهناك الكثير مما يمكن أن يكسبه.