كان المفترض أن يستفيد الإخوان المسلمون في مصر وفي تونس وأيضاً في الأردن وفي كل مكان من دروس تسلم الاتجاهات والتوجهات القومية واليسارية في سوريا وفي مصر وفي العراق وفي «اليمن الجنوبي» للحكم في هذه الدول وألاّ يحاولوا حرق المراحل ولا الإستفراد بالسلطة وبخاصة وأن المفترض أنهم يعرفون أكثر من غيرهم الحديث النبوي القائل :»إنَّ المُنْبتَّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قَطَع».
في مصر جاء فوز الإخوان المسلمين بالإنتخابات الرئاسية بعملية قيصرية شاقة وهم حصلوا على أصواتٍ تتقارب حتى حدود التساوي مع الأصوات التي حصل عليه أحمد شفيق وتَقلُّ كثيراً عمَّا حصل عليه هذا الأخير مضافاً إلى ما حصل عليه حمدين صباحي وعمرو موسى وباقي ما تبقى ممن خاضوا هذه المعركة الإنتخابية مما يعني أنه كان على هؤلاء الذين يشكل حزب الحرية والعدالة واجهتهم السياسية ألاّ يندفعوا إلى الإستحواذ على كل شيء ومنذ اللحظة الأولى وأن يفوا بما كانوا وعدوا به بأنهم لن ينفردوا بالحكم وأنه سيكون للقوى الأخرى التي كان دورها رئيسياً في ثورة «يناير» مكاناً تستحقه في المعادلة السياسية الجديدة.
لكنهم لم يفعلوا هذا بل وقد بادر المرشد العام محمد بديع ،الذي يبدو أن تجربة «الولي الفقيه» في إيران قد استهوته كثيراً، إلى إلحاق الرئيس المنتخب والرئاسة الجديدة بـ»حوزته» السياسية وإلى تحويل محمد مرسي إلى مجرد «كومبارس» يقتصر دوره على مجرد الحركات البهلوانية التي يؤديها على خشبة مسرح الحكم وعلى مجرد الإنضباط بترديد الكلام الذي يأتيه من وراء كواليس إدارة الدولة والحياة السياسية.
كان على إخوان مصر ،لأنهم «الجماعة» الأم ولأنهم وصلوا إلى الحكم بعد نحو ثمانين عاماً من «نشاف» الريق، أن يقدموا أُنموذجاً ناجحاً ومُطَمْئِناً وجميلاً لإخوانهم ولشعوب هذه المنطقة وأنْ يبددوا مخاوف الذين وضعوا أيديهم على قلوبهم لدى فوز محمد مرسي على منافسه بل على منافسيه في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة لقد كان على هؤلاء ،أي «الإخوان»، أن يتَّبعوا سياسة إرتقاء السُلَّم درجة درجة وان يقبلوا بمبدأ الشراكة مع الآخرين.. لكنهم وللأسف لم يفعلوا هذا بل وهم اظهروا جوعاً للسلطة جعلهم يبدون على حقيقتهم وجعل شركاءهم في ثورة «يناير» يشعرون بأن نتيجة كل ما جرى هو إستبدال حسني مبارك وحزبه بحزبٍ أكثر منه ومن حزبه إستبداداً وشغفاً بالهيمنة على السلطة.
كان المفترض أن يتجنب الإخوان المسلمون سياسة حرق المراحل وأن لا يبادروا إلى تصفية الآخرين حتى قبل أن يستكملوا عملية التموضع على مقاعد الحكم والسلطة فكانت النتيجة أن تكون هناك هذه الإنتفاضة الشعبية الهائلة وان يكون هذا الموقف الذي يثير الإعجاب الذي إتخذته الصحافة ومعظم وسائل الإعلام وهذا يثبت أن المسألة ليست مسألة «إعلان دستوري» ولا «فبركة» دستورية على مقاس «الإخوان» وحلفائهم من عتاة السلفيين بل مسألة إستبدال إستبداد قديم بإستبداد جديد ومسألة وصول الحكم إلى «جماعة» بقيت على مدى أكثر من ثمانين عاماً تتضور جوعاً للوصول إليه وأنه إتضح بعدما وصلت إليه أنها لن تفلته من يدها ولو بجز الحلاقيم.
ولعل ما لا يعرفه حتى «الإخوان» أنفسهم أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة عباس مدني وعلى بلحاج قد حرقت نفسها وإنتهت إلى هذه النهاية عندما أدخلت الجزائر في حرب داخلية حصدت أرواح مئات الألوف من الأبرياء بإتباعها سياسة حرق المراحل ومباشرة بعد فوزها في الإنتخابات البلدية وحيث حاولت إزاحة الجيش الذي هو وريث الثورة الجزائرية المجيدة وإقصاء حتى حزب جبهة التحرير الوطني الذي هو أبو الإستقلال وإستعادة السيادة الوطنية و»أَخْذِ الجمل بما حمل» وإقصاء كل القوى التي كان يجب أن تكون شريكاً ولو في بداية تلك التجرية التي كانت ولا تزال الجديدة!!.