حقيقة يعرفها أبناء القرى والبوادي والبراري، ويحسبون لها ألف حساب، حينما يحل فصل الربيع وتبدأ الأجواء بالجنوح إلى الدفء، تخرج هوام الأرض من جحورها، وتنتشر، بعد فصل الشتاء الطويل، الذي ألزمها بالدخول تحت الأرض، لتنعم بالبيات الشتوي!
الربيع لدى الفلاحين محفوف بالمخاطر، وما أن يأتي الصيف حتى يشتد الخوف من الأفاعي والعقارب، وسواهما من هوام الأرض، وسكان الجحور، وكذا فعل ربيع العرب، فما أن أيقن القوم أن الربيع أصبح حقيقة واقعة ساطعة، حتى تكالبت علينا الأفاعي والعقارب، من كل حدب وصوب، بعد أن شعرت أن الخطر يتهددها، فتفننت في تشويهه وتخريب مخرجاته، حتى توصل الناس إلى مرحلة يقولون فيها: الله يرحم خريف مبارك، وعواصف بن علي، وجنون القذافي!
بالأمس قابلت صديقا زار تونس مؤخرا، جاءني ينفض يديه من الربيع وأهله، و «يبشرني» أن ربيع النهضة لعنة على التوانسة، ويا محلى عهد بن علي، فقلت له لم؟ فقال لي: يا زلمة تونس مليانة زبالة، عمري ما شفت تونس على هذه الحال، فقلت له: الم تر من تونس إلى الزبالة؟ فقال لي إن هذا دلالة على فشل التغيير، وفي الوجه الآخر، قال لي إن صاحب كلمة «هرمنا» تحول بيته إلى مزار، يقصده السياح ومن يقصد تونس، حيث يستقبل القوم، ويرحب بهم وهم أفواج رائحون غادون!
وقل عن مصر مثلما قال صاحبي عن مصر، فأصحاب النظرة المسبقة، يرون في ثورة مصر، موسما للفوضى والخراب، الدمار، لأنهم إما أفاعٍ وثعابين، أو تأثروا حد الاقتناع بما تروجه قبيلة الزواحف على بطونها، ممن لم تجرب متعة السير منتصبة القامة، بلا انحناء وتزلف!
اليوم، سيستفتي أهل مصر على دستورهم الجديد، ومنطق الأفاعي والعقارب والزواحف يحاول أن يصور الدستور وكأنه نص شيطاني، وقد وقعت بالأمس على دراسة جميلة، ترد على هؤلاء، وما يشيعون، بعد أن انصرف الزواحف إلى اتهام الدستور بما ليس فيه والتدليس على بعض المواد وكيل الاتهامات مثل أنه يضطهد المرأة، ولا يكفل حق السكن أو التعليم المجاني، أو كونه يسمح بالتغول على السلطة القضائية، في الوقت الذي اوردت الدراسة نصوص جميع المواد التي تدحض هذه الاتهامات، وتنفيها بالدليل القاطع، ومنها ما يتعلق بالمرأة على وجه الخصوص، فقال أعداء الربيع إن الدستور الجديد يضطهد المرأة، ويقلل من شأنها، ويقلص حقوقها فى العمل والمشاركة السياسية، وهو ما ظهر عكسه فى المادة رقم 10 التى تقول نصا: الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذي ينظمه القانون. وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام، وتولي الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المُعيلة والمطلقة والأرملة!
أستذكر هنا مقولة احد الثوار، إنك تستطيع أن تدوس الأزهار، لكنك لن تؤخر قدوم الربيع، وأقول، إن أولاد الفلاحين والحراثين اعتادوا على سحق رؤوس الأفاعي والعقارب التي تهاجم بيوتهم، وتهدد حياتهم!