عندما كنت في المرحلة الاعدادية كان معنا زميل طلب منه المدرس احضار والده لأمر ما. قال له. استاذ ممكن أجيب اخوي ؟ رفض المدرس بعصبية قائلاً : لا جيب ابوك. شعر التلميذ بالاحراج « بس أبوي مش هون استاذ «. وللا وينه ؟ صرخ المدرس. قال التلميذ « في البرازيل «. شووو، بتتخوث علي ؟». لا والله استاذ، أبوي راح البرازيل زمان وتركنا أنا وأمي واخواني عند جدي.
صُدم المدرس وصمت، ونحن كذلك. بعد الحصة وخروج المدرس تجمعنا حول زميلنا سألناه عن حكاية البرازيل وقال لنا تفاصيل هجرة والده و..بكى!
لم نكن نسمع بالبرازيل أو نيكاراغوا أو تشيلي والسلفادور والاكوادور الا ما نراه على أطلس خارطة العالم وفي تلك الجملة التي رددها حسني البورزان توأم دريد لحام الفني الذي رحل عن الدنيا مبكراً وهي «اذا أردت أن تعرف ماذا يجري في البرازيل يجب أن تعرف ماذا يجري في تشيلي «. طبعاً لم يكن الجمهور يعرف لا البرازيل ولا تشيلي لكنها جملة قصد منها أنك لن تعرف شيئاً عما يجري في وطنك العربي الذي.. كان كبيراً !
لاحقاً قرأنا عن نيكاراغوا لورود اسم الفلسطيني مويسز «موسى» حسن كواحد من قادة جبهة الساندينيستا التي أطاحت بالدكتاتور سوموزا وهو أحد المهاجرين مثل والد زميلنا. أما نيكاراغوا ففيها جالية من المهاجرين الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين القدامى، وقد تولى بعضهم مناصب مهمة في تلك البلاد ومنهم كارلوس منعم من اصل سوري الذي تولى رئاسة الأرجنتين لمدة ثماني سنوات ونجيب ابو كيلة من اصل فلسطيني تولى رئاسة الاكوادور وانطونيو سقا من أصل فلسطيني رئاسة السلفادور وميشيل تامر اللبناني تولى رئاسة البرازيل.
ها هي البرازيل تنفذ قرار محكمة الجنايات الدولية وتعتقل جندياً من جيش الاحتلال بتهمة الابادة الجماعية. تشيلي قامت بنفس الخطوة تجاه جندي آخر من جيش الاحتلال بعد يوم واحد. ما حدا بزعيم المعارضة يائير لابيد الى القول « وصلنا الى وضع اصبح فيه الفلسطينيون أفضل من حكومة اسرائيل دولياً وجنودنا يتحاشون السفر خشية اعتقالهم «. محملاً مسؤولية تدهور سمعة اسرائيل الدولية الى بنيامين نتنياهو وحكومته الأكثر تطرفاً في تاريخ اسرائيل التي أصبحت وفقاً للقانون الدولي دولة مارقة.
ما دخل هذا بدول أميركا اللاتينية ؟ وما علاقة تلك الدول بالعدوان الاسرائيلي أو الشهداء الذين يقترب عددهم من خمسين ألف شهيد وثلاثة أضعافهم من الجرحى؟
نيكاراغوا قطعت علاقاتها مع تل أبيب في تشرين أول اكتوبر الماضي لأنها « دولة فاشية مجرمة « حسب تعبير رئيسها دانييل أورتيغا. وطلبت رسمياً الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد اسرائيل لدى محكمة العدل الدولية. وكانت بوليفيا وتشيلي وكولومبيا وفنزويلا قد سبقتها في هذه الخطوة على خلفية حرب الابادة الجماعية التي تمارسها اسرائيل على غزة. السؤال الذي بات جوابه واضحاً ومكشوفاًً «ما سر الموقف الصامت، الا من الكلام، حيال ما يجري في غزة ؟»
اذا كان خوفاً من راعي الجرائم الاسرائيلية، أعني أميركا، فها هي أميركا تهرول الى دمشق وتلتقي حاكمها الجديد الذي كان على رأس قائمة ما يسمى «الارهاب» لديها وتتبعها دول أوروبا.
. اذا كان خوفاً مما كان يسمى « الجيش الذي لا يقهر « ها هو يُقهر ويُذل ويبدأ الانسحاب من غزة من قبل مقاومة وحاضنتها الشعبية وليس من جيوش.
ها هو ترامب يطلع علينا باقتراح «عبقري» يمحو غزة، يتعدى على سيادة الأردن ومصر، ويعلن أنه سيبني «ريفيرا» بدون شعب فلسطيني و»دقة غزاوية».
وها هو يتراجع عندما سمع الأردنيين من أعلى قمة الدولة الى أصغر تلميذ يصرخون «الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين والأوطان ليست للبيع.