المفروض أن الإعلام في أميركا حر، بل إن الدستور الأميركي ينص صراحة على منع الكونجرس من سن قانون يضع حدأً لحرية الصحافة، وبالتالي فإن الباب الوحيد الممكن الدخول منه لمقاضاة الإعلامي هو باب القدح والذم، أي الاعتداء على حريات الناس وحقوقهم.
مع ذلك فإن شبكة تلفزيون أميركية رئيسية هي MSNBC قررت طرد الإعلامي المحافظ جدأً بات بوكانان، الذي كان يعمل في الشبكة ومسؤولاً عن برنامج حواري لمدة عشر سنوات بتهمة العنصرية.
بوكانان نشر كتاباً بعنوان «انتحار قوة عظمى» والمقصود هو أميركا بالذات، وقد احتوى الكتاب على عبارات اعتبرتها الشبكة التلفزيونية عنصرية وغير لائقة بالخطاب العام وسياسة الشبكة.
كثيرون من المعلقين شجبوا الكتاب والمؤلف لما أورده في كتابه مثل (نهاية أميركا البيضاء) باعتبار ذلك موقفاً عنصرياً مرفوضاً علماً بأن بوكانان، خلال عمله في الشبكة لمدة عشر سنوات، لم يكن يخفي دعوته للمحافظة على قيم المسيحيين البيض الذين أسسوا أميركا، فما الذي حدث الآن طالما أن في الإعلام الأميركي من هو أسوأ من بوكانان وأكثر عنصرية دون أن يطردوا من أعمالهم وتكمم أفواههم.
حذر بوكانان من أن الجنس الأبيض في طريقه للإنقراض أو التحول إلى أقلية، نظراً لسرعة التكاثر بين السود والسمر أي الملونين. وأدعى أن هتلر قد أسيء فهمه، وانتقد يهود أميركا وسياسة إسرائيل مما أهله لتهمة اللاسامية، وقال ان أميركا كان يجب أن تدخل الحرب العالمية الثانية إلى جانب ألمانيا ضد الاتحاد السوفييتي.
معلقون آخرون لم يستهجنوا طرد بوكانان بسبب آرائه الشاذة بل اسـتغربوا أن يتأخر طرده إلى هذا الحد، ومعلقون أعلنوا أنهم وإن كانوا يختلفون معه، ولكنهم يعارضون إسكاته، فهو على الأقل نزيه عقلياً، مضحك أحياناً، ولكنه مستعد دوماً للحوار. والمفروض بمعارضيه أن يناقشوه لا أن يعملوا على عزله.
عملية الطرد أساءت للشـبكة التلفزيونية التي تحسب في الجانب اليساري، فلم يعد هناك فرق يذكـر بينها وبين شـبكة فوكس المتطرفـة في الجانب اليمني.
والنتيجة أن لحرية الرأي والتعبير حدودأً حتى في بلدان الصحافة الحرة.