أيام دكانة أبو السعيد لم يكن يعرف الناس السوبر ماركت، فما بالنا بالمولات، وقد كانت دكانة لشراء وبيع كل شيء، والزبائن هم كل سكان الحارات المجاورة لدكانة أبي السعيد، الرجال والنساء والأطفال على حد سواء. غير أنّ أفضل زبائن أبو السعيد على الإطلاق هم الصبية، وخصوصاً منهم الأشقياء.
لقد ظل أبو السعيد مميزاً بدكانه، رغم افتتاح أول سوبر ماركت في إربد وسط شارع فلسطين، وحمل اسم "إربد سوبر ماركت"، وكان ذلك في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وكان عبارة عن محل واسع ببابين فقط، إلاّ أنّه لفت الانتباه، وكان الفضول يدفع الجميع لمعرفة معنى سوبر ماركت.
لم يؤثّر السوبر ماركت على تجارة أبي السعيد ولا على زبائنه أيضاً، فقد ظل يبيع كل شيء، وأحياناً بالدّين الذي يسجّله على دفتر أسود، كان اسمه دفتر سفينة.
المهم في قصة أبو السعيد أنّه كان يشتري من الصبية أيّ شيء يعرضونه عليه، أخشاب تالفة، حفايات بلاستيك، ألمنيوم ونحاس، خبز جاف، طحين، وما قد يخطر بالبال، ويكون الثمن عادة مجرد حبة حلوى "ملبّس" أو قطعة حلقوم "راحة"، وفي أحيان أخرى يكون الثمن قرش أو نصف قرش، وربما أكثر، وذلك حسب الكمية.
كان الصبية الصغار يسرقون من بيوتهم ما تيسّر من طحين أو خبز، أو أيّ مادة أخرى لبيعها لأبي السعيد، وكان يشتري رغم معرفته بحقيقة سرقتها على غفلة من الأهل.
لم يهتم أبو السعيد لأيّ أمر في حياته سوى الشراء من الصبية والبيع للكبار، ولم يدر بخلده أنّه كان محرّكاً لاقتصاد الحارات المجاورة له، إذ تعتمد البيوت عليه بالمونة الشهرية، القائمة على الأرز والسكر والطحين، والسمنة، والشاي، وما إلى ذلك.
ولم يكن رغم قوته الاقتصادية متحكّماً أو محتكراً، ولا جباراً، أو مرابياً، كما أنّه لم يكن غشاشاً أبداً.
نهاية أبو السعيد أتت بعد عجز بسبب كبر السن، والشيخوخة بما فيها من أمراض.
حاول الأبناء من بعده الاستمرار بالدكانة غير أنّ أحدهم لم يفلح بالأمر، وأغلقت الدكانة وما زالت.
حكومة عونة الخصاونة لا يختلف حالها عن حال دكانة أبي السعيد، إذ تبيع وتشتري كل ما يعرض عليها، وما تجده أمامها أيضاً، وهي تدرك، على عكس أبي السعيد، أنّها تسير نحو الإغلاق دون أن تبالي، ولا يهمها أبداً إلى متى ستستمر مفتوحة، وإذا ما تم إغلاقها بأيّ وقت.
وهي حكومة تختلف عن دكانة أبو السعيد من حيث صفات أبي السعيد التي أتينا على ذكرها، لا بل إنّها على عكسها تماماً في كل شيء، فهي تتحكم بكل شيء عن دراية وتضع النقود في جيوب المواطنين لتأخذها مجدداً في عملية التفافية مكشوفة، وها هي الآن تريد تغيير المعادلة بحيث تأخذ دون أن تعطي أبداً.
فالحديث عن وقف الدعم عن الضروريات وعن كل شيء، مقابل تقديمه نقداً لمستحقيه، إنّما يعني تخلّي الدولة عن واجباتها حيال الشعب، وتركه مكشوفاً ومهدداً، ومن جهة أخرى "تشليحه" ما يمكن أن يكون لديه، طالما أنّها تتحكم بحركته وحياته وبإدارة ما لديه، بما في ذلك جهده وعرقه.
تحت يافطة الأخوة والواجب، استقبلت الحكومات مئات الآلاف من المهجرين من الكويت والعراق وليبيا وسوريا، ومثلهم عمالة عربية وآسيوية، وكل هؤلاء ينعمون إلى الأردني بالدعم الذي تقدّمه الحكومة حتى الآن، وبحجته يراد وقف الدعم.
الذي أتى بالدب إلى مزرعته عليه أن يتحمل المسؤولية، وعلى الحكومة أن تفكّر بحل يحمي الأردنيين والدعم المقدّم لهم، وكيف لا يستفيد منه الضيوف، وذلك قبل أن تغلق الدكانة، وربما السوق برمته.
لقد ظل أبو السعيد مميزاً بدكانه، رغم افتتاح أول سوبر ماركت في إربد وسط شارع فلسطين، وحمل اسم "إربد سوبر ماركت"، وكان ذلك في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وكان عبارة عن محل واسع ببابين فقط، إلاّ أنّه لفت الانتباه، وكان الفضول يدفع الجميع لمعرفة معنى سوبر ماركت.
لم يؤثّر السوبر ماركت على تجارة أبي السعيد ولا على زبائنه أيضاً، فقد ظل يبيع كل شيء، وأحياناً بالدّين الذي يسجّله على دفتر أسود، كان اسمه دفتر سفينة.
المهم في قصة أبو السعيد أنّه كان يشتري من الصبية أيّ شيء يعرضونه عليه، أخشاب تالفة، حفايات بلاستيك، ألمنيوم ونحاس، خبز جاف، طحين، وما قد يخطر بالبال، ويكون الثمن عادة مجرد حبة حلوى "ملبّس" أو قطعة حلقوم "راحة"، وفي أحيان أخرى يكون الثمن قرش أو نصف قرش، وربما أكثر، وذلك حسب الكمية.
كان الصبية الصغار يسرقون من بيوتهم ما تيسّر من طحين أو خبز، أو أيّ مادة أخرى لبيعها لأبي السعيد، وكان يشتري رغم معرفته بحقيقة سرقتها على غفلة من الأهل.
لم يهتم أبو السعيد لأيّ أمر في حياته سوى الشراء من الصبية والبيع للكبار، ولم يدر بخلده أنّه كان محرّكاً لاقتصاد الحارات المجاورة له، إذ تعتمد البيوت عليه بالمونة الشهرية، القائمة على الأرز والسكر والطحين، والسمنة، والشاي، وما إلى ذلك.
ولم يكن رغم قوته الاقتصادية متحكّماً أو محتكراً، ولا جباراً، أو مرابياً، كما أنّه لم يكن غشاشاً أبداً.
نهاية أبو السعيد أتت بعد عجز بسبب كبر السن، والشيخوخة بما فيها من أمراض.
حاول الأبناء من بعده الاستمرار بالدكانة غير أنّ أحدهم لم يفلح بالأمر، وأغلقت الدكانة وما زالت.
حكومة عونة الخصاونة لا يختلف حالها عن حال دكانة أبي السعيد، إذ تبيع وتشتري كل ما يعرض عليها، وما تجده أمامها أيضاً، وهي تدرك، على عكس أبي السعيد، أنّها تسير نحو الإغلاق دون أن تبالي، ولا يهمها أبداً إلى متى ستستمر مفتوحة، وإذا ما تم إغلاقها بأيّ وقت.
وهي حكومة تختلف عن دكانة أبو السعيد من حيث صفات أبي السعيد التي أتينا على ذكرها، لا بل إنّها على عكسها تماماً في كل شيء، فهي تتحكم بكل شيء عن دراية وتضع النقود في جيوب المواطنين لتأخذها مجدداً في عملية التفافية مكشوفة، وها هي الآن تريد تغيير المعادلة بحيث تأخذ دون أن تعطي أبداً.
فالحديث عن وقف الدعم عن الضروريات وعن كل شيء، مقابل تقديمه نقداً لمستحقيه، إنّما يعني تخلّي الدولة عن واجباتها حيال الشعب، وتركه مكشوفاً ومهدداً، ومن جهة أخرى "تشليحه" ما يمكن أن يكون لديه، طالما أنّها تتحكم بحركته وحياته وبإدارة ما لديه، بما في ذلك جهده وعرقه.
تحت يافطة الأخوة والواجب، استقبلت الحكومات مئات الآلاف من المهجرين من الكويت والعراق وليبيا وسوريا، ومثلهم عمالة عربية وآسيوية، وكل هؤلاء ينعمون إلى الأردني بالدعم الذي تقدّمه الحكومة حتى الآن، وبحجته يراد وقف الدعم.
الذي أتى بالدب إلى مزرعته عليه أن يتحمل المسؤولية، وعلى الحكومة أن تفكّر بحل يحمي الأردنيين والدعم المقدّم لهم، وكيف لا يستفيد منه الضيوف، وذلك قبل أن تغلق الدكانة، وربما السوق برمته.