الحكومة في واقع أمرها نصف حكومة, وهي أول حكومة أردنية منذ أول حكومة أردنية شكّلها رشيد طليع تتشكّل على دفعتين, ينتظر الناس الدفعة الثانية منها باستخفاف لا يقلّ عن عدم الاكتراث بالأولى. وهي أول حكومة يتم تشبيهها بلجنة التسعير وليس بالحكومة، إذ إنّ شغلها الشاغل هو الأسعار, أو وصفها بالحكومة الكهربائية لانشغالها منذ يومها الأول برفع أسعار الكهرباء، وقد أطرمت النواب والناس بهذه القصة وهي تتحدث عن الرفع والتشاور مع النواب حوله, وكيف أنّه قدر لا فرار منه, وأنّ الفقراء لن يتأثروا من الرفع طالما يجلسون أوادم بلا حركة ولا نفس وفاتورتهم أقل من عشرين دينارا.
يبدو أنّ الحكومة تخشى من إعلان الرفع قبل التفاهم مع النائب يحيى السعود الذي يريد إسقاطها إن رفعت، ويبدو أيضا أنّها نصف حكومة وستظلّ لأنها سترحل بعد أن ترفع, وبما أنّ الرئيس عبد الله النسور لا يريد أن يكون كبش فداء والرحيل بسرعة تحت طائلة الذم, فإنّه يتحدث عن الرفع ولا يرفع، فهو يريد صفقة تضمن له البقاء مطولا كثمن بعد الرفع, والإتيان بالدفعة الثانية المؤجلة من الحكومة رغم أنف الراضي والزعلان, من النواب والأعيان, والمعارضة والموالاة ومعهم يحيى السعود أيضا.
قصة الطاقة بالأردن عصية على الفهم, ولا أحد يعلن بدقة وشفافية عن حقائق تسعيرها, وقيمتها السوقية مع كلفها والضرائب المفروضة عليها. وهي سر غامض ولغز يبدأ من مصفاة البترول والغاز المصري ولا ينتهي عند التوليد والتوزيع. ولو أنّ الحكومة تصدر بيانا مجدولا بدقة ومبنّد بالكلف والضرائب لأسعار الكهرباء والمشتقات النفطية ليقف الجميع على الحقيقة, فإنّهم سيكونون بلا اعتراضات طالما استقروا على ثقة بالثمن الذي يدفعونه، أمّا أن تذيَّل الفواتير بعبارة «قيمة الدعم الحكومي على فاتورتك» بمبلغ أكبر من المطالبة المسجلة فإنّ الرعب يدبّ بالقلوب منها إن أزيل هذا الدعم, لأن المطالبة آنذاك ستزداد إلى أكثر من الضعف. فهل حقا تدفع الحكومة عن المواطن أكثر ممّا يدفعه؟ وإن الأمر صحيح لما لا يعلن فورا عن الكلف ومن يربح أو من يخسر في معادلة التوليد والتوزيع؟!