أثارت تصريحات رئيس الوزراء حول موعد الانتخابات النيابية المقبلة حالةً من الغضب بين أعضاء المجلس الحالي، وكأن موعد الاستحقاق الدستوري مسألة سرية، وذهب بعض النواب إلى تذكير الرئيس بالنص الدستوري الذي يجيز للملك تمديد المجلس لمدة بين سنة واحدة وسنتين بالحد الأقصى، والجدل كله يبدو نفسياً، فالنواب لا يحبذون تذكيرهم بأن موعد الانتخابات النيابية سيأتي في النهاية، وأنها استحقاق ضروري، وأن مرحلة جديدة يمكن أن تشكل ختاماً لمسيرة بعضهم السياسية أصبحت وشيكة.
ما المشكلة في التذكير الذي يدفعه رئيس الوزراء، وما المشكلة في قراءته حول التقدم بمشروع التحديث السياسي؟ ألم ينشغل الأردنيون مثلاً بالانتخابات التركية وتابعوها لدرجة أن بعضهم أشعرنا بأنه يجهز أوراقه لاستعادة الإمبراطورية العثمانية؟ كما هل يتوجب التذكير أن منصب رئيس الوزراء سياسي بالدرجة الأولى، وأن انسياقه وراء بعض التفاصيل يعد الاستثناء الذي يكاد يصبح القاعدة أمام وجود مؤسسات كثيرة غير مفعلة طوعياً نتيجة تغيب البرامجية في العمل أو الظهير السياسي لعملها الذي يفترض أن يكون حالة حزبية ناضجة.
من الضروري الاعتراف بأن الأردن لم يشهد نوعاً من تداول السلطة، الأمر الذي أدى إلى ظهور فئتين، الأولى، أبناء الدولة ممن شغلوا المناصب القيادية في مرحلة أو أخرى، والمعارضة الواسعة غير المجربة التي تمتلك رؤى مثالية لما يجب أن تكون عليه الأمور، من غير أن تمتلك القدرة على الإجابة على بقية الأسئلة، وخاصة كيف ومتى.
بحضور المجلس النيابي المنتخب في 1989 كانت الأمور ساخنة في الأردن، وبعد انعقاده ببضعة أشهر أتت حرب الخليج الثانية، وشهدت تفاعلات حرجة، فالعمل السياسي في الأردن كان أيديولوجياً في معظمه، والتكلفة حدثت في العلاقة مع دول الخليج العربي واحتاجت لسنوات من أجل العمل على استعادتها إلى الوتيرة المعقولة.
وسط هذه الأوضاع، وفي ظل تغيب أدوات الحكم المحلي الفاعلة، أصبحت معظم توجهات المجالس النيابية شعبوية، فالنائب يريد الوظائف والمزيد من الوظائف، ولكنه ليس مستعداً لأن يتفرغ لأيام من أجل مراجعة قانون استثمار أو المناقشة المجتمعية حول قضية أو أخرى، ويهمه أن يستقطب تعليقات الإعلاميين في كلمة مدتها بضعة دقائق، ولا يتقدم بورقة محكمة محملة بملاحظاته، ويفضل أن يشخصن علاقته بالوزير والمسؤول، لا أن يسعى لحل جمعي لمشكلة يواجهها مستثمر أو مواطن من أجل تعميمه في صورة قوانين وتعليمات أكثر وضوحاً وقدرة على الاستجابة.
المشهد الحالي لا يوحي بأن اللجوء إلى التمديد من الخيارات مسألة مقبولة، ورئيس الوزراء تحدث برأيه السياسي، وإذا لم يكن مقبولاً أن يتحدث الرئيس بذلك، فمن يتحدث؟ ومعظم المجالس النيابية في السنوات الأخيرة لقيت شيئاً من المطالبة الشعبية بالحل المبكر.
ومع ذلك، فقد يذهب الملك إلى التمديد لتمكين التجارب الحزبية من تحشيد المزيد من الزخم، وربما هذا هو الاحتمال الذي تستند له فكرة التمديد، وهذه نتيجة يمكن أن تأتي انعكاساً للجلسات الملكية المتواصلة مع مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، لأن القرار الملكي ينبني على معطيات التفاعل في المشهد العام والامتدادات الإقليمية والدولية كذلك، وتقوم في القرار عوامل التوقيت والملابسات والتكلفة، وليست انسياقاً وراء الأمنيات التي تحكم جزءاً من المخيلة السياسية المستوطنة في أكثر من بنية سياسية في الأردن، ولا يستثنى منها المجلس?النيابي.