يشهد العالم اليوم حالة من عدم اليقين لأننا نعيش فترة الانتقالية ما بين النظام العالمي القائم منذ الفترة التي تلت سقوط جدار برلين وتحالفاته السائدة ونظام عالمي جديد بدأ يطل برأسه من الشرق.
إن هذه الفترة الانتقالية أخذت وقتا كبيرا في تشكيل طبيعة التحالفات وشكل النظام العالمي الجديد بعد ان فقدت بعض الدول الثقة بالدور الاميركي الذي كانت تعول عليه لعقود طويلة. إن التحالفات الجديدة مبنية على ديناميكيات التفكيك (Deconstruct) وإعادة الهيكلة (Restructure) لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
لذلك فإن الفترة الانتقالية من عالم آفل إلى عالم صاعد لا بد لها من أن تشهد المزيد من المطبات الجيوسياسية والتجاذبات والعنف والصراع تكون فيه المواجهة بين الوكلاء لا الأصلاء. وستكون منطقة إفريقيا الوسطة وشرقها إلى المناطق المتاخمة للحدود الروسية والصينية مسرحا للعنف السياسي والتطرف والإرهاب المدعوم من دول لن تخشى التصريح عن هذا الدعم بشكل سافر لاستنزاف الدول التي تسعى للخروج من بوتقة النظام العالمي القديم تمهيدا لتشكيل فسيفساء إقليمية وعالمية على أسس دينية ومذهبية أكثر مما هو سائد حاليا تمهيدا لحروب قادمة هدفها التصفية.
الدول العربية لا تريد الدخول في مواجهة مهما كانت لأنها عانت طوال عقود من تبعات الحروب والأزمات والصراعات التي أثرت على اقتصاداتها وسياساتها. فالناتج الإجمالي للدول العربية مجتمعة يعادل الناتج المحلي للمملكة المتحدة. فوفق أرقام البنك الدولي فإن الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية وصل في نهاية العام 2020 إلى 2.5 تريليون دولار أميركي. وهنا ندرك أن الدول العربية بدأت تعي أنه لا مفر لها من الخروج من دوامة الصراعات العالمية على رحى الشرق الأوسط إلا بالالتفات إلى الداخل والتعاون فيما بينها لتحقيق نمو اقتصادي وتكنولوجي يوفر فرص العمل للشباب العربي الذين ضاقوا ذرعا بارتفاع معدلات البطالة المحلية والقومية مع انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع مستويات التضخم.
لقد عصفت تداعيات الربيع العربي وما بعهده بتوازن القوى التقليدية في المنطقة وغيرت الخريطة الجيوسياسية للمحاور الاستراتيجية والتحالفات وباتت الأوضاع الحالية التي شابتها حالة من انعدام الثقة في الدور الأميركي في المنطقة عقب الانسحاب من أفغانستان محمومة باستقطابات حادة، ما بين استراتيجيات واستراتيجيات مضادة لتعزيز النفوذ واكتساب مواطئ قدم بركوب الفوضى المؤدلجة من تسليح وتدريب وغير ذلك لعناصر متطرفة تمهيدا لتدخل اللاعبين الجدد في شؤون المنطقة.
تزامنت هذه التحولات مع صعود قوى إقليمية غير عربية حيث أصبحت اللاعب الأبرز في لعبة شد الحبل هذه بعد الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي، فباتت لاعبا أساسياً في خريطة التحالفات الإقليمية الجديدة. فإذا ما راجعنا خريطة تحالفات القوى غير العربية في الشرق الأوسط (تركيا وإيران وإسرائيل) فإننا نجد أنها متناغمة مع بعضها البعض ومتسقة لحماية مصالحها أولا بخلاف التحالفات العربية التي لا ترسم استراتيجية متناسقة وفعالة وديناميكية تمكنها من إدارة صراعاتها وخلافاتها.