لا يمكن وصفها سوى بالفضيحة والاستهتار بالمال العام ومصالح الناس على رؤوس الأشهاد؛ تلك المشاهد المصورة التي سجلت لتشققات كبيرة ولهبوطات في طبقات شارع الستين الدائري بالسلط ضمن مرحلته الثانية والذي يفترض به أنه بات جاهزا للتسليم والبدء باستخدامه من قبل المركبات.
شارع الستين الدائري بمحافظة البلقاء يعد أحد أكبر مشاريع الطرق الرئيسة بالمملكة والذي أنفقت عليه مئات الملايين من الدنانير، وتبحث الحكومة حاليا عن طرق لتمويل مرحلته الثالثة والأخيرة، لنفاجأ اليوم وبحسب ما فضحته كاميرات هواتف المواطنين وشهود العيان أن مساحات واسعة من هذا الشارع بمرحلته الثانية لم تصمد أمام أول شتوة ليتحول إلى لوحة فسيفسائية من التشققات العميقة والممتدة والهبوطات الخطرة التي تجعله خارج الخدمة وبحاجة لنسف وإعادة إنشاء كاملة بكل ما يعنيه ذلك من تكاليف مالية وتأخير وتعطيل لمصالح الناس.
في متابعة تفاصيل هذه الحادثة، التي تعكس استهتارا واضحا بالمال العام وغيابا للرقابة الرسمية على عمل المقاول أو حتى ما هو أبعد من ذلك! تغيب وزارة الأشغال العامة صاحبة المشروع عن المشهد رغم التفاعل الكبير الذي شهدته القضية عبر مواقع التواصل ووسائل الإعلام منذ عدة أيام، فيما نقل شهود عيان -بحسب بعض المواقع الإلكترونية- أن فريقا من هيئة النزاهة ومكافحة الفساد زار مواقع التشققات والهبوطات الاثنين الماضي وسجل ملاحظاته الميدانية عليه.
طبعا؛ ننتظر من الهيئة موقفا حازما وواضحا في هذه القضية التي تدخل في صلب عملها ودورها، فكل المؤشرات تدل على اختلالات وتقصير في أداء المقاول وفي الرقابة الرسمية على عمله والتزامه بشروط العطاء وتنفيذه ضمن مواصفات فنية مقبولة.
وزير الأشغال العامة كان قبل أيام في زيارة لبلدية السلط والتقى برئيسها، وتم خلال اللقاء حسب التصريح الرسمي المنشور، البحث في ضرورة تنفيذ المرحلة الثالثة من مشروع الطريق الدائري، ولم يتطرق التصريح، واللقاء كما يبدو، لشكاوى المواطنين بالمنطقة وتحذيراتهم من ظهور التشققات الكبيرة بالشارع! وفي البحث أكثر عن الموقف الرسمي للوزارة من شكاوى المواطنين يظهر تصريح يتيم لمدير أشغال السلط نشرته صحيفة "الغد” في 21 من الشهر الماضي وقبل الشتوة الأخيرة، وهو تصريح يدين الوزارة والمقاول أكثر ويعكس استهتارا أكبر بحجم المشكلة.
مدير الأشغال أقر بتصريحه المذكور باحتمالية حدوث انهيار في الشارع وظهور تشققات وهبوط في طبقاته جراء الأمطار، وانه تم اغلاقه بحواجز اسمنتية، لكنه ختم تصريحه بالتأكيد على أن المقاول "قام بإزالة كافة الطبقات الهابطة وإصلاح الخلل، وإعادته الى الوضع السليم، وفق المواصفات المطلوبة والمتفق عليها بشروط العطاء”، ولم تمض سوى أيام قليلة على ذلك التصريح وحلول المنخفض الجوي الأخير حتى عادت التشققات والهبوطات للشارع بصورة أوسع وأخطر، وظهر في التسجيلات عقم وشكلية الحلول التي لجأ إليها المقاول لمعالجة تلك التشققات.
وبعيدا عن المزيد من التفصيل في هذه القضية، فإن المهم الآن هو إجراء تحقيق حقيقي وجاد فيها، وتحديد مسؤوليات كل الأطراف عن فشل تنفيذ مشروع عام كلف خزينة الدولة ملايين الدنانير وعطل مصالح مواطنيها، بل وهدد السلامة العامة. والمطلوب أكثر هو المراجعة والتدقيق على كامل المشروع وعدم الاكتفاء بمنطقة الانهيارات والتشققات، فمن غير المستبعد ضمن هذه الملابسات أن يكون الخطر والخلل كامنا في أكثر من منطقة بالمشروع، خاصة وأن انهيارا سابقا لجدار استنادي بارتفاع عشرين مترا على ذات الشارع كان وقع مطلع العام الماضي وبعد فترة قصيرة من بنائه!
الأخطر في هذه القضية؛ أن مثل هذا التخبط والاستهتار الذي قد يرقى لمرحلة الفساد والتقصير المتعمد بتنفيذ المشروع، يمكن سحبه على العديد من مشاريع الطرق العامة وغيرها والتي لا يكاد يبدأ تشغيلها حتى تتكشف عيوبها الفنية وأخطارها على السلامة العامة، ما يفتح الباب لمليون سؤال عن أسباب غياب الرقابة والإشراف الرسمي الحازم على تنفيذ هذه العطاءات!
عندما تعرّي الأمطار الاستهتار بالمال العام
أخبار البلد - اخبار البلد-