مع نهاية 2019 يدخل عالمنا العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وأعود إلى موضوع أتناوله مرة كل عشر سنوات، هل عالمنا اليوم أفضل مما كان عليه قبل عقد؟
المتفائلون سيجيبون بنعم، والمتشائمون سيصرخون مشيرين إلى الحروب وارتفاع نسبة الجريمة والإرهاب، والغارقين في البحار في رحلة هروب إلى رخاء الشمال. وبالطبع «نهاية العالم» بالتغيير المناخي كما تنذرنا جماعة تمرد الفناء بزعامة غريتا ثورنبيرغ الطفلة المعجزة ملهمة «الزوغان» من المدرسة بحجة التظاهر.
بينما يهرش المتشائلون من الأغلبية الصامتة رؤوسهم.
وبينما أحاول إبطاء رحلتي نحو العقد الثامن، أنتمي إلى المتشائلين منذ سنوات؛ لكنّ هرش الرأس للدراسة والتفكير عادةً ما يوصّلني إلى بر التفاؤل.
مستوى المعيشة ارتفع في العالم في كل المجالات، والأرقام تثبت خطأ المتشائمين، خصوصاً المهووسين آيديولوجياً بالتغير المناخي، فهم عاطفيون وتقاريرهم مزيفة «fake – news» في قول الرئيس دونالد ترمب لأن موقفهم عقائدي وليس مبنياً على الواقع.
استعنت في دراستي بإحصائيات وتقارير مؤسسات كالبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ودراسات معهد ماساشوستش للتكنولوجيا، وبنك إنجلترا، ووزارة الطاقة والصناعة هنا في بريطانيا، ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية.
خذ مثلاً نسبة الفقر (الذين يعيشون على عشرة دولارات في اليوم)، والفقر المدقع (يعيشون على أقل من دولار وتسعين سنتاً في اليوم) انخفضت عالمياً إلى أقل من 10% لأول مرة في التاريخ. هذه النسبة كانت 78% من سكان العالم يوم ولدتُ في أثناء الحرب العالمية الثانية. ألا يدعو هذا إلى التفاؤل رغم زيادة سكان العالم في الفترة نفسها من مليارين وأربعمائة مليون إلى أكثر من سبعة مليارات وسبعمائة مليون هذا العام، وزيادة الكثافة السكانية من 16 إلى 52 في الكيلومتر المربع، بينما انخفضت نسبة الأمية من 55% إلى أقل من 12% في الفترة نفسها؟
وربما المقياس الأفضل هو انخفاض نسبة وفيات الأطفال في السنوات الخمس الأولى (خصوصاً السنة الأولى) من العمر إلى نحو 2.5%، وكانت نحو 26% في نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا يعني أن 97.5% من نحو 140 مليون طفل يولدون سنوياً سيعيشون إلى ما بعد سن الخامسة، أي ستكون هناك زيادة سنوية بمقدار 136 مليوناً ونصف المليون سنوياً.
ألا يشكل هذا زيادة ضغط على الموارد وزيادة استهلاك الطاقة والخامات؟
الإجابة بعد دراسة الأرقام: لا، وهنا يظهر خطأ المتشائمين من جماعات كتمرد الفناء والخضر والبيئيين.
السبب أنه بعكس توقعات المتشائمين فإن بلداناً كانت «العالم الثالث» قبل نصف قرن، كالهند، والصين، ونيجيريا، والبرازيل تشهد اليوم نمواً اقتصادياً يفوق بلدان أوروبا وأميركا الشمالية.
النمو الاقتصادي السريع الذي شهده العالم مع ثورة التكنولوجيا والاتصالات يعني أن الإنتاج يزيد بينما يقل استهلاك الموارد والخامات والطاقة اللازمة لهذا النمو الاقتصادي.
خذ مثلاً علبة العصير أو المشروبات تُصنع اليوم من 13 غراماً من الألمنيوم مقابل 85 غراماً عند بدء تصنيعها قبل ستة عقود.
تعداد المملكة المتحدة مثلاً زاد 20% في نصف قرن، وفي الفترة نفسها نما الاقتصاد بمعدل ثلاثة أضعاف بينما قلّ استهلاك الخامات والطاقة بمعدل الثلث. مقياس استغلال الموارد بالنسبة إلى الفرد (مجموع المواد والطاقة المستهلكة مقسّمة على عدد السكان) والتي تنبأ المتشائمون من جماعات الخضر في عام 2000 بأنه سيبلغ أربعة أضعاف في عقدين. ثبت خطؤهم وانخفض من اثني عشر ونصف طن للفرد في السنة عام 2000 إلى ثمانية أطنان هذا العام، بينما نما الاقتصاد إلى الضعف وزاد عدد السكان 12% في الفترة نفسها.
ولتقريب المسألة إلى الذهن: إذا أردت طباعة بطاقات الزيارة قبل ربع قرن، كنت أستغرق ثلاث رحلات إلى المطبعة، للتصميم، ثم لمراجعة البروفة، ثم تسلم البطاقات؛ اليوم تُصمم على الإنترنت، وأراجعها على موقع المطبعة التي ترسل مجموعة إلى مكتبي في البرلمان، وأخرى إلى مكتبي في الصحيفة وثالثة إلى منزلي، دون زيارة واحدة للمطبعة.
على تليفونك الذكي (الموبايل) تحصل على خدمات كانت تستلزم أجهزة إلكترونية وكومبيوترات تملأ دورين في منزلك قبل أربعين عاماً. تعرف الوقت، والأرصاد الجوية وتتسلم وترد على رسائل تملأ حقيبة سفر، وتدوّن مذكراتك الصوتية، وترتب مفكرتك ومواعيدك لأشهر قادمة، وتتاجر في أسعار البورصة، وتنقل وتتسلم تحويلات بنكية، وترسل فواتير، وتشاهد أفلاماً ومباريات رياضية، وترسل تقاريرك للطبع، والبعض يقرأ الصحف كلها على تليفون ذكي يستهلك طاقة أقل من مصباح كهربي صغير.
أمامنا واقع عملي على أن النمو في الاقتصاد والسكان لا يعني زيادة استهلاك الموارد والطاقة، بل إن الابتكار والاستمرار في النمو الصناعي يعني الاقتصاد في الموارد والطاقة لا إهدارها.
عندما أجريت البحث على كتابي «حروب المياه» قبل ثلاثين عاماً، قرأت تقارير الخبراء عام 1970 عن تقديراتهم لاستهلاك المياه العذبة حول العالم، في ثلاثين عاماً، وبحلول عام 2000 كان الاستهلاك نصف توقعاتهم لأن مهندسي الري والزراعة ابتكروا وسائل وسبل هندسة ري قللت كمية المياه اللازمة لنمو الحبوب والمحاصيل الاقتصادية إلى النصف.
توقعات المتشائمين وأصحاب المصالح مصدرها حسابات برامج الكومبيوتر التي تحسب الأرقام التي يغذّون بها النموذج المصمَّم. مثلاً عندما يحسب الخضر والمناخيون الطاقة المتولدة من محطات تدار بطواحين الرياح، يتعمدون ألا يحسبوا الطاقة والتكاليف البدائية والخامات اللازمة لتأسيس المحطة. فكميات الإسمنت والصلب والبلاستيك والمعادن اللازمة لمحطة توليد طاقة من الرياح تبلغ ستة أضعاف مواد البناء المستخدمة في محطة توليد كهرباء تقليدية من الغاز أو البترول، ناهيك بطاقة النقل والتشييد، ويتجاهلون تكلفة إنشاء محطة غاز احتياطية تظل غلايات البخار فيها ساخنة للانطلاق في حالة توقف الرياح في محطة الطاقة الخضراء.
المعارضة الآيديولوجية لإنشاء محطات توليد الكهرباء من الطاقة النووية، وهي الأرخص اقتصادياً، عطّلت إنشاء المحطات، خصوصاً في أوروبا، منذ ستينات القرن الماضي، وبعد استغناء الألمان عنها اضطروا إلى الاستعانة بالفحم لتعويض النقص في الطاقة.
الخطورة في أن نجاح المتشائمين في غسل المخ الجماعي بمعارضة النمو الاقتصادي بأرقامهم الخاطئة سيؤدي إلى فقر في الطاقة التي تحتاج إليها معامل المعاهد والجامعات التي نجحت اختراعاتها في تقليل استخدام الموارد والمواد الخام والطاقة. المتشائمون ربما يكونون صادقين في الإشارة إلى سلبيات كحروب واتساع الهوة بين الأثرياء والفقراء، لكنها مثل الجروح التي يصاب بها رياضي يتسابق، لكنه يظل متقدماً نحو القمة؛ أي كذب المتشائمون ولو صدقوا.
المتفائلون سيجيبون بنعم، والمتشائمون سيصرخون مشيرين إلى الحروب وارتفاع نسبة الجريمة والإرهاب، والغارقين في البحار في رحلة هروب إلى رخاء الشمال. وبالطبع «نهاية العالم» بالتغيير المناخي كما تنذرنا جماعة تمرد الفناء بزعامة غريتا ثورنبيرغ الطفلة المعجزة ملهمة «الزوغان» من المدرسة بحجة التظاهر.
بينما يهرش المتشائلون من الأغلبية الصامتة رؤوسهم.
وبينما أحاول إبطاء رحلتي نحو العقد الثامن، أنتمي إلى المتشائلين منذ سنوات؛ لكنّ هرش الرأس للدراسة والتفكير عادةً ما يوصّلني إلى بر التفاؤل.
مستوى المعيشة ارتفع في العالم في كل المجالات، والأرقام تثبت خطأ المتشائمين، خصوصاً المهووسين آيديولوجياً بالتغير المناخي، فهم عاطفيون وتقاريرهم مزيفة «fake – news» في قول الرئيس دونالد ترمب لأن موقفهم عقائدي وليس مبنياً على الواقع.
استعنت في دراستي بإحصائيات وتقارير مؤسسات كالبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ودراسات معهد ماساشوستش للتكنولوجيا، وبنك إنجلترا، ووزارة الطاقة والصناعة هنا في بريطانيا، ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية.
خذ مثلاً نسبة الفقر (الذين يعيشون على عشرة دولارات في اليوم)، والفقر المدقع (يعيشون على أقل من دولار وتسعين سنتاً في اليوم) انخفضت عالمياً إلى أقل من 10% لأول مرة في التاريخ. هذه النسبة كانت 78% من سكان العالم يوم ولدتُ في أثناء الحرب العالمية الثانية. ألا يدعو هذا إلى التفاؤل رغم زيادة سكان العالم في الفترة نفسها من مليارين وأربعمائة مليون إلى أكثر من سبعة مليارات وسبعمائة مليون هذا العام، وزيادة الكثافة السكانية من 16 إلى 52 في الكيلومتر المربع، بينما انخفضت نسبة الأمية من 55% إلى أقل من 12% في الفترة نفسها؟
وربما المقياس الأفضل هو انخفاض نسبة وفيات الأطفال في السنوات الخمس الأولى (خصوصاً السنة الأولى) من العمر إلى نحو 2.5%، وكانت نحو 26% في نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا يعني أن 97.5% من نحو 140 مليون طفل يولدون سنوياً سيعيشون إلى ما بعد سن الخامسة، أي ستكون هناك زيادة سنوية بمقدار 136 مليوناً ونصف المليون سنوياً.
ألا يشكل هذا زيادة ضغط على الموارد وزيادة استهلاك الطاقة والخامات؟
الإجابة بعد دراسة الأرقام: لا، وهنا يظهر خطأ المتشائمين من جماعات كتمرد الفناء والخضر والبيئيين.
السبب أنه بعكس توقعات المتشائمين فإن بلداناً كانت «العالم الثالث» قبل نصف قرن، كالهند، والصين، ونيجيريا، والبرازيل تشهد اليوم نمواً اقتصادياً يفوق بلدان أوروبا وأميركا الشمالية.
النمو الاقتصادي السريع الذي شهده العالم مع ثورة التكنولوجيا والاتصالات يعني أن الإنتاج يزيد بينما يقل استهلاك الموارد والخامات والطاقة اللازمة لهذا النمو الاقتصادي.
خذ مثلاً علبة العصير أو المشروبات تُصنع اليوم من 13 غراماً من الألمنيوم مقابل 85 غراماً عند بدء تصنيعها قبل ستة عقود.
تعداد المملكة المتحدة مثلاً زاد 20% في نصف قرن، وفي الفترة نفسها نما الاقتصاد بمعدل ثلاثة أضعاف بينما قلّ استهلاك الخامات والطاقة بمعدل الثلث. مقياس استغلال الموارد بالنسبة إلى الفرد (مجموع المواد والطاقة المستهلكة مقسّمة على عدد السكان) والتي تنبأ المتشائمون من جماعات الخضر في عام 2000 بأنه سيبلغ أربعة أضعاف في عقدين. ثبت خطؤهم وانخفض من اثني عشر ونصف طن للفرد في السنة عام 2000 إلى ثمانية أطنان هذا العام، بينما نما الاقتصاد إلى الضعف وزاد عدد السكان 12% في الفترة نفسها.
ولتقريب المسألة إلى الذهن: إذا أردت طباعة بطاقات الزيارة قبل ربع قرن، كنت أستغرق ثلاث رحلات إلى المطبعة، للتصميم، ثم لمراجعة البروفة، ثم تسلم البطاقات؛ اليوم تُصمم على الإنترنت، وأراجعها على موقع المطبعة التي ترسل مجموعة إلى مكتبي في البرلمان، وأخرى إلى مكتبي في الصحيفة وثالثة إلى منزلي، دون زيارة واحدة للمطبعة.
على تليفونك الذكي (الموبايل) تحصل على خدمات كانت تستلزم أجهزة إلكترونية وكومبيوترات تملأ دورين في منزلك قبل أربعين عاماً. تعرف الوقت، والأرصاد الجوية وتتسلم وترد على رسائل تملأ حقيبة سفر، وتدوّن مذكراتك الصوتية، وترتب مفكرتك ومواعيدك لأشهر قادمة، وتتاجر في أسعار البورصة، وتنقل وتتسلم تحويلات بنكية، وترسل فواتير، وتشاهد أفلاماً ومباريات رياضية، وترسل تقاريرك للطبع، والبعض يقرأ الصحف كلها على تليفون ذكي يستهلك طاقة أقل من مصباح كهربي صغير.
أمامنا واقع عملي على أن النمو في الاقتصاد والسكان لا يعني زيادة استهلاك الموارد والطاقة، بل إن الابتكار والاستمرار في النمو الصناعي يعني الاقتصاد في الموارد والطاقة لا إهدارها.
عندما أجريت البحث على كتابي «حروب المياه» قبل ثلاثين عاماً، قرأت تقارير الخبراء عام 1970 عن تقديراتهم لاستهلاك المياه العذبة حول العالم، في ثلاثين عاماً، وبحلول عام 2000 كان الاستهلاك نصف توقعاتهم لأن مهندسي الري والزراعة ابتكروا وسائل وسبل هندسة ري قللت كمية المياه اللازمة لنمو الحبوب والمحاصيل الاقتصادية إلى النصف.
توقعات المتشائمين وأصحاب المصالح مصدرها حسابات برامج الكومبيوتر التي تحسب الأرقام التي يغذّون بها النموذج المصمَّم. مثلاً عندما يحسب الخضر والمناخيون الطاقة المتولدة من محطات تدار بطواحين الرياح، يتعمدون ألا يحسبوا الطاقة والتكاليف البدائية والخامات اللازمة لتأسيس المحطة. فكميات الإسمنت والصلب والبلاستيك والمعادن اللازمة لمحطة توليد طاقة من الرياح تبلغ ستة أضعاف مواد البناء المستخدمة في محطة توليد كهرباء تقليدية من الغاز أو البترول، ناهيك بطاقة النقل والتشييد، ويتجاهلون تكلفة إنشاء محطة غاز احتياطية تظل غلايات البخار فيها ساخنة للانطلاق في حالة توقف الرياح في محطة الطاقة الخضراء.
المعارضة الآيديولوجية لإنشاء محطات توليد الكهرباء من الطاقة النووية، وهي الأرخص اقتصادياً، عطّلت إنشاء المحطات، خصوصاً في أوروبا، منذ ستينات القرن الماضي، وبعد استغناء الألمان عنها اضطروا إلى الاستعانة بالفحم لتعويض النقص في الطاقة.
الخطورة في أن نجاح المتشائمين في غسل المخ الجماعي بمعارضة النمو الاقتصادي بأرقامهم الخاطئة سيؤدي إلى فقر في الطاقة التي تحتاج إليها معامل المعاهد والجامعات التي نجحت اختراعاتها في تقليل استخدام الموارد والمواد الخام والطاقة. المتشائمون ربما يكونون صادقين في الإشارة إلى سلبيات كحروب واتساع الهوة بين الأثرياء والفقراء، لكنها مثل الجروح التي يصاب بها رياضي يتسابق، لكنه يظل متقدماً نحو القمة؛ أي كذب المتشائمون ولو صدقوا.