أخبار البلد - جينات التلاعب اين وصلت؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
بلغة مفهومة للجميع وباختصار, الجينات هي الصفات التي تتسلل الينا دون ارادة من الاباء والاجداد, ونكرمُ بها ونمنحها الى ابناؤنا القادمين دون مقابل, واكثر من ذلك, الجينات لا تعرف الحدود, فهي ترتحل مع البشر دون توقف, وهي اقوى سلاح ابيض يحمله الانسان, ان كانت من النوع الطيب, وهناك جينات خبيثة استقرت فينا للأسف الشديد واتسعت, حتى انها تغلغلت في عروقنا, تلك الجينات نجدها تتطفل على فصائل الدم عند البعض, وكلما خلعتَ جينا منها, نبتَ لك الف جين من نوعها,...انها جينات التلاعب, تلك التي حيّرت (مارثا تشيس) عالمة هندسة الجينات الامريكية في صفاتها الوراثية.
بعض التجّار ممن يحملون جينات التلاعب عندنا يضعون على ليبل المنتج تاريخ الغد على انتاج اليوم! والبعض الاخر قام بتجديد ليبل تاريخ الانتهاء من على السلع القديمة من خلال ماكينة الليبل! ويقال (والله اعلم) ان فئة اخرى تقوم بنقل المنتج المنتهي مدته الى اوعية واغلفة وعبوات تحمل تواريخ جديدة! والمضحك المبكي في نفس الوقت انك تجد ان بعض المنتجات لا تستطيع قراءة تاريخ الانتاج وتاريخ الانتهاء على الليبل الملصق عليها! او انك تحتاج الى مجاهر لتكبير مثل هذه التواريخ التي اصابها فقرا بالدم!... انها جينات التلاعب تسرح وتمرح وتلعب في دماء هؤلاء دون حسيب او رقيب.
جينات التلاعب عملَ عليها تجّار الملابس وتلاعبوا بالعبارات والمعلومات الموجودة على اللّصيقة المثبّتة على البضاعة والتي تخص المنتج! فالقطن اصبح صوفا والصوف اصبح قطنا عندهم! كذلك جينات التلاعب عملَ عليها تجّار الخضار والفواكه وتلاعبوا بالمعلومات الموجودة على اللّصيقة المثبّتة على الخضار والفواكه والتي تخص المنتج! حيث ان المندلينا اصبحت عندهم كلمنتينا! والبوملي اصبح جريب فروت! حتى ان هذه الجينات وصلت لعالم المجمّدات كاللحوم والاسماك والدجاج!...فلحم البقر اصبح عندهم لحم اغنام! ولحوم الديوك اصبحت لحوم دجاج! ولحوم الحيتان اصبحت لحوم اسماك! كل ذلك كان بفعل جينات التلاعب التي طالت الليبل واللّصيقة المثّبتة على المنتج, وكان الاهم عند هؤلاء ليس صحة البشر وسلامتهم وانما الحصول على الارباح الطائلة.
جينات التلاعب عملَ عليها ايضا أولئك الذين غيّروا شهادات ميلاد اولادهم كي يدخلوهم المدارس مبكرا! وعمل عليها أولئك الذين زوروا شهاداتهم الجامعية ومعدلاتها التراكمية كي يعملوا او يترفعوا او يترقوا من خلال هذا التلاعب! جينات التلاعب هذه وصلت الى تجّار التبغ, فسيجارة الدخان العادية اصبحت سيجارة الكترونية! ونرجيلة التمباك اصبح نرجيلة الكترونية! ودفاتر الاوتومان القديمة اصبحت عندهم دفاتر تدقيق حسابات! حتى ان انجاب الاطفال العاديين اصبح عندهم منتج صناعي من اطفال الانابيب عليه ليبل تاريخ انتاج وتاريخ انتهاء من خلال جينات التلاعب! ....وما عادت آيات سورة التّوبة تنفع معهم.
وربما وصلنا هذه الايام بالتمام والكمال الى امارات الساعة الكبرى وعلاماتها من خلال جينات التلاعب في الاعلام والصحافة! فقد اصبح بالإمكان دمج ومزج وتركيب الصوت والصورة بسهولة ويسر! وابعد من كل ذلك فقد اصبح بمقدور جينات التلاعب هذه ربط خبرين صحيحين كانا متباعدين زمنيا ومكانيا عن طريق الكتابة والصورة, ربطهما معا ليستنتج المستمع والمتلقي والمشاهد نتيجة لمادة اعلامية جديدة مقصودة ومخطط لها بكل عناية من خلال اعلاميين خدمتهم جينات التلاعب المزروعة فيهم.
هذا واقع وليس نظرة سوداوية, والقادم امر وادهى, لكن يعجبني اكثر ما يعجبني ان هؤلاء الذين يحملون جينات التلاعب, انهم يحملون «المسبحة» الالكترونية واياديهم ممدودة إلى السماء للأذكار والاستغفار طالبين الاستجابة, كيف لا وجينات التلاعب لهؤلاء وصلت لمأكل ومشرب وملبس الناس, وربما تعرف هؤلاء من ملامحهم الشعثاء الغبراء من اطالة الحلف الكاذب بالله تعالى، ومن اقاويلهم يا رب،...فأنّى يُستجاب لهم.