أخبار البلد - ومنهم من دفع ثمن التحول
حمادة فراعنة
هل صدفة أن ثلاثة من قادة المستعمرة الاسرائيلية، دفعوا ثمن محاولات اقترابهم من الشعب الفلسطيني، وتفهمهم لمصالح تل أبيب وفق قاعدة التفاهم وايجاد أرضية للحل مع الفلسطينيين، وحينما أقول ذلك لا أقصد أنهم تغيروا جوهرياً بما يتلاءم مع حل منصف، أو شراكة متساوية، أو تسوية متوازنة، ولكنهم بحثوا عن حل لمشاكل مشروعهم القائم على أرض فلسطين، بعد أن وصلوا لطريق مسدود، رغم تفوقهم ونجاحهم في احتلال كل فلسطين، ولكنهم استراتيجياً فشلوا في طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرضه، وبقي نصفه لأكثر من ستة ملايين عربي فلسطيني في مواجهة ستة ملايين ونصف المليون يهودي اسرائيلي، وهي مشكلة وجودية تتعلق بأمن ونجاح وفشل المشروع الاسرائيلي اليهودي الصهيوني برمته.
أولاً : هل صدفة تم اغتيال اسحق رابين واطلاق الرصاص عليه من قبل يميني اسرائيلي متطرف أثناء القاء خطبة له خلال مهرجان جماهيري في تل أبيب بعد أن صدم الاسرائيليين بالتوصل الى اتفاق أوسلو واعتبروه خان المشروع الصهيوني اليهودي بسبب اعترافه بالعناوين الثلاثة : 1- بالشعب الفلسطيني، 2- بمنظمة التحرير، 3- بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى أرضية هذا الاعتراف تم 1- الانسحاب الاسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية بدءاً من غزة وأريحا أولاً، 2- ولادة السلطة الوطنية كمقدمة لمشروع الدولة الفلسطينية عبر صناديق الاقتراع، 3- عودة أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني الى وطنهم.
ثانيا : وهل صدفة مرض أريئيل شارون بعد أن رحل من قطاع غزة، وفكفك المستوطنات وأزال قواعد جيش الاحتلال، مقدمة لفعل مماثل كان ينوي فعله في الضفة الفلسطينية فانشق حزبه الليكود، وأصيب بجلطة دماغية أقعدته مما دفع بعض الاسرائيليين للتكهن أن مرضه مفتعل وغير طبيعي نفذته أجهزة أمنية حتى لا يقدم على فعل مماثل كان ينوي فعله في الضفة الفلسطينية كما سبق وفعله في قطاع غزة ، ووصف الحاخامات مرضه أنه عقوبة من الله لأنه تخلى عن أرض اسرائيل لأعداء اسرائيل.
ثالثاً : وهل صدفة تم سجن يهودا أولمرت رئيس وزراء المستعمرة الاسرائيلية على خلفية فساد تورط بها خلال ترأسه لبلدية القدس، وتم ملاحقته بعد أن أصبح رئيساً للحكومة ولبى دعوة الرئيس بوش الأبن لفتح مفاوضات جادة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أنابوليس في نهاية شهر نوفمبر 2007 وقطعت شوطاً عميقاً، وقبل انهاء المفاوضات الجادة، مكملاً ما فعله شارون في التخلي عن قطاع غزة، ليفعل الأمر نفسه في جزء كبير من الضفة الفلسطينية، فتمت ملاحقته وادانته وسجنه، حتى تمنع فترة رئاسته للحكومة من التوصل الى اتفاق.
ولم يكن أحدهم أكثر وضوحاً من أولمرت نفسه الذي كشف في لقاء تلفزيوني معه يوم 3/9/2018، بمناسبة مرور ربع قرن على التوقيع على اتفاق أوسلو في ساحة الورود على عُشب البيت الابيض يوم 13/9/1993، فماذا قال أولمرت حرفياً من على الشاشة « كنا مستعدين لقبول حل الدولتين لشعبين، لم يكن هناك برهان للتوصل الى حل كهذا أقوى من المفاوضات التي أجريتها مع أبو مازن، والتي عَرضُت له من خلالها انسحاب اسرائيلي من 95 بالمائة من المناطق وتبادل أراضي، والتوصل الى تسوية اقليمية على اساس حدود الرابع من حزيران 1967 « ولكن ماذا حصل ؟؟.
يُضيف أولمرت : « ليس سراً تمت محاكمتي، واجهت نضالاً من قبل جهات سياسية لا يستهان بها، خافوا جداً من اقتراحات السلام التي اقترحتها، وعملوا المستحيل لاسقاطي حتى لا أتمكن من اتمام هذه العملية «.
فهل ثمة أوضح من هذا ؟؟.
ثلاثة من قادة المستعمرة الاسرائيلية نالوا نصيبهم من العقاب لأنهم أقدموا على فعل سياسي مشين وخانوا فكرة الصهيونية ووضع حد للتوسع على كل فلسطين واستعمارها، فهل هذا صدفة ؟؟ أم أنه ترتيب سياسي أمني للحيلولة دون التوصل الى حل ما مهما بدا متواضعاً مع الشعب الفلسطيني ؟؟.
ثلاثتهم دفعوا، وغيرهم سيدفع ثمن التحول الواقعي في فهم الهزيمة الاستراتيجية للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وعدم قدرته وفشله في طرد كامل الشعب الفلسطيني عن أرضه وهؤلاء ليسوا جالية صغيرة وضعيفة بل شعب يتجاوز عدده الستة ملايين، اضافة الى ستة ملايين أخرى خارج الوطن، كلاهما متحفز في مواجهة العدو، الذي لا عدو لهم غيره، وهو الذي احتل أرضهم، وسرق حقوقهم وداس على كرامتهم.
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.