اغتنمت فرصة وجودي في الدوحة الأسبوع الماضي، في زيارة عمل لمركز الجزيرة الإعلامي، للالتقاء بعدد من الأصدقاء ومن ضمنهم صديق هندي يعمل في مجال "البيزنس" وصديق عربي يعمل في مجال الإعلام، كلاً على حده، وكلاهما واجهاني بالسؤآل عن الأوضاع في الأردن، وعن رأيي في حالة الغضب التي يشهدها الشارع العربي..!
الصديقان العربي والهندي اتفقا على أن الأردن بلد هاديء، يتسم بالأمان الاجتماعي والاستقرار السياسي، على الرغم من وقوعه وسط منطقة ساخنة، وأن ملوكه معروفون بالحكمة والحنكة والرحمة، وهو ما يميز هذا البلد عن غيره من كثير من البلدان العربية التي تشهد صخباً واستبداداً سياسياً بلا حدود..!!
وعندما أشّرت إلى بعض مظاهر حالة الغضب التي يشهدها الشارع الأردني، والمتمثلة في المقام الأول برفض الفساد المالي والإداري والاعتداء على المال العام، وسوء توزيع مكاسب التنمية، بسبب انتهاج سياسات "إفقار" و "إثراء" غير مبررة وربما غير مقصودة، ناجمة عن تمكين فئات متقدمة في الليبرالية الرأسمالية، منزوعة الفهم للواقع والخصوصية الأردنية، للوصول لمواقع صناعة القرار، بادرني الصديقان بحديث واحد مضمونه أن الفساد حالة عامة في كل المجتمعات البشرية، مع تفاوتها من مجتمع إلى آخر، وأن الحل لتقليص هذه الآفة الضارة وليس وقفها نهائياً، لأن ذلك مستحيل على حد قولهما، يكون من خلال توسيع مجالات المشاركة السياسية، وتحديد أُطر تشريعية حقيقية وفاعلة وليس "التفافية" أو "تجميلية" لهذه المشاركة، وما قد ينجم عنها من تمكين كاملي الدسم الوطني من بلوغ مواقع صناعة القرار، وانتهاج سياسات أقرب إلى الواقع والمصلحة والخصوصية الأردنية.
ويصرّ صديقي العربي على أن ما يشعر به الأردنيون من ضائقة اقتصادية، أقل وطأة مما تحسّ به الكثير من الشعوب العربية الأخرى من ضائقة حريّة، فالألم في الأولى أقل منه في الثانية، والتكيّف مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة حتى لو كانت تستلزم شدّ الأحزمة ممكن، أما التكيف مع حالة الاستبداد وتكميم الأفواه فصعب جداً..! وأضاف: من المهم أن نعترف أن غضب الشارع وتفجّره في بعض البلدان العربية قد لا يؤدي حتماً إلى بلوغ حالة المشاركة الحقيقية التي يريدها السواد الأعظم من الناس، خصوصاً وأن ثمّة طبقة واسعة لا تزال صامتة، لا تعبر عن رأيها بوضوح إزاء ما يحصل.. وأن هناك عمليات التفاف على الثورات العربية، قد لا تبدو ظاهرة للعيان، ما يدعو إلى تحذير من مغبّة الاختطاف والغرور الذي يمكن أن يقود إلى التهلكة وردّات فعل سياسية واجتماعية قاسية بسبب غياب القوى السياسية الفاعلة في المجتمع وإيثار رموزها الصمت أحياناً، وفي أحيان أخرى الإدلاء بحديث المجاملة، حتى لا يُقال بأنها، أي هذه الرموز، لا تؤيد ثورات الشعوب، ولا تتعاطى مع غضب الشارع، فيتم عزلها سياسياً وشعبياً..!!
الصديق الهندي الذي أخبرني بأنه زار الأردن مرة واحدة فقط، أيّد تفاعلات حالة الغضب في الشارع العربي كتعبير عن رفضه للسلطوية المستبدّة، لكنه عبّر تخوفه من انعكاسات سلبية على الاقتصادات العربية، وعندما قلت له بأن الثورات كشفت حجم الفساد الهائل الذي كان ينخر ببعض مجتمعاتنا، ودفع بالملايين إلى العيش دون خطوط الفقر، وأن حالة اليقظة الجديدة التي حجّمت الفساد ورموزه، سوف تنعكس إيجابياً على الناس من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، قال هذا صحيح لكنه مشروط بشرطين: الأول أن لا يظل حراك الثورات يدور في الهواء، وأن يؤدي إلى تغيير حقيقي تقوده القوى السياسية الفاعلة دون تلكؤ أو خوف مدفوعة بدعم شعبي عريض، والشرط الثاني أن يُصار إلى تأطير ومقاربة الأوضاع وإعادة رسم السياسات من منطلق العدالة الاجتماعية، إذْ لا بد أن ترافق عملية وقف أو الحدّ من الفساد في المجتمعات، عملية بناء روافع للعدالة الاجتماعية حتى تتحقق أهداف الثورات ويشعر الناس بالارتياح إلى نتائجها.. وإلاّ فالعواقب لن تكون حميدة..!
نهاية المطاف، أكّد الصديقان أن الأردن حالة غير منزوعة الدسم، وأن عملية الإصلاح الحقيقي يمكن أن تحقق نتائج ترضي طموحات الأردنيين، ومن الإجحاف أن نضع الأردن في نفس الكفّة مع غيره من البلدان الأخرى، مع إقرارنا بأن ما يحتاجه الأردن حالياً هو أرضية للتفاهمات توقف حالة حوار الطرشان..!!
Subaihi_99@yahoo.com