المحامية مرام مغالسه
نصت المادة 10/أ من قانون الاحوال الشخصية الاردني على انه يشترط في اهلية الزواج ان يتم كل من الخاطب والمخطوبة ثمانية عشر سنة شمسية وهو نص متوافق من حيث تحديد السن واحكام المادة 43 من القانون المدني التي نصت على ان سن الرشد هي ثماني عشرة سنة شمسية ؛ وكلاهما نصان متفقان مع احكام اتفاقية حقوق الطفل الدولية المصادق عليها من قبل الحكومة الاردنية عام 1991 والتي حددت احكامُها سنً الطفولةِ بما هو دون 18 سنة بحيث اعتبرت الاتفاقيةُ الطفلَ انساناً لا يتمتع بنضج بدني ولاعقلي ويحتاج إلى إجراءاتٍ وقائية ورعاية خاصة بما في ذلك الحماية القانونية المناسبة .
بالرغم من ذلك أجازت المادة 10/ب للقاضي الشرعي وبموافقة قاضي القضاة ان ياذن في حالات خاصة بزواج من اكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره ولم يتم الثامنة عشر وفقا لتعليمات يصدرها لهذه الغاية اذا كان في زواج القاصر ضرورة تقتضيها المصلحة ؛ ورغم تعارض هذه الفقرة مع احكام اتفاقية حقوق الطفل والقانون المدني الا انه يفهم منها ان تزويج القصر مسموح به كاستثناء في بعض حالات تقتضيها المصلحة الفضلى للطفل وبموافقة قاضي القضاة ؛ الا ان التوثيق القضائي لمعاملات الزواج لا يتحرى المصلحة المُلجِئة في زواج القصر بما يتوافق والمصلحة الفضلى للطفل ، وهذا ابتعاد عن تشخيص الإستثناء المنصوص عليه في قانون الاحوال الشخصية الاردني والتعليمات الخاصة بتزويج القصر وهذا ما تفصح عنه الإحصاءات المعلن عنها رسميا من دائرة قاضي القضاة والتي صرحت بتزويج المحاكم لـ 372 قاصر و10866قاصرة في عام واحد هو 2015 .
إن المتتبع للاحصاءات الرسمية يجد ان تزويج القصر بازدياد منذ عام 2011 ولغاية عام 2015 ، وهو للاسف لا يقتصر على الإناث كما يعتقد البعض بل يمتد ليشمل الذكور من الأطفال كما نجد أن التوثيق الرسمي لعقود زواج الاطفال يتم بشكل يومي في انحاء المملكة بدون قيام قاضي الإجراءات بضبط تنسيب رسمي يرفع لفضيلة قاضي القضاة و/أو من ينوب عنه وذلك لغايات التدقيق والموافقة ؛ وهذا يخالف التعليمات الصادرة بهذا الخصوص والقانون بما يمس معاملات زواج القصر بعيب قانوني شكلي قد يودي بها الى البطلان باعتبار النص الخاص يقيد النص العام .
وقد جاءت تعليمات قاضي القضاة الخاصة بزواج تحت سن 18 خلوا من تحديد الحالات الخاصة التي يجوز فيها لقاضي الاجراءات التزويج مما يفرزحالة عدم وضوح قانوني تفسح مجال واسع لتفاوت تقدير قضائي في تحديد مدى انتاجية مصلحة التزويج من مكان لآخررغم وحدة النص، أضف الى ان القضاء الشرعي قضاء رحيم يتصف بإلانسانية وادراك احتياجات الناس لا يغلق الباب امام طلب الاهالي المُزوِّجين الحاحاً في قبول معاملاتهم ؛ ومثال ذلك اننا نجد تزويج القصر في المناطق التي تعاني من شح الخدمات والموارد وخصوصا مناطق تجمع اللاجئين اكثر شيوعا من المناطق المتلقية لخدمات افضل . أما تحقق القضاء من ارادة القاصر في مجلس القضاء فلا يسعفنا امام تبعية القاصر ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وعاطفي لذويه ....ولا يسعفنا امام قصور الإرادة في القانون المدني حيث ان ارادة القاصر تبقى قانونيا قاصرة عن تحديد نفع الزواج .....ولا يسعفنا أمام تفكك وقصور ملفات التمكين المجتمعي الحكومي وافتقارها للدعم والإستدامة بما لا يفسح المجال لخيارات رديفة لأطفالنا.
إن النص على الإستثناء في تزويج القصر دون تفعيل التقييد يفتح الباب مشرعا امام عادات خاطئة يمارسها المجتمع ؛ عادات تختزل الزواج المقدس بنفقة او بمسكن اوبحاجز حماية للمهددة بالقتل بداعي الشرف اوالإنتقام امام غياب في دور المؤسسة الحكومية لتامين الفتيات المحرومات من ادنى سبل العيش الكريم وامام غياب مؤسسي ممنهج في ادماج المعنفات في المجتمع وتمكينهن ثقافيا تعليميا واقتصاديا ، ولا ننسى ان الزواج المبكر في بعض اشكاله قد يرتقي لاحدى صور جرائم الاتجار بالبشر المعاقب عليها جزائيا بعقوبات قاسية في حال انطباق النص على عناصر الجريمة من ايواء واستغلال وقبض الثمن ، وقد تم رصد حالات زواج مبكر مكرر مع قبض الثمن من قبل مؤسسات المجتمع المدني في المجتمع الاردني كما اشارت تقارير الامم المتحدة لرصد حالات مماثلة بين صفوف اللاجئين بطابع علني يصحبه سماسرة تزويج الاطفال .
إن تزويج القصر هو اختزال دور الزوجة والأم بالدور البيولوجي ولا اجده إلا تقنينا لإضعاف دور المراة تجاه اسرتها بما يخل برسالة الاسرة ويؤثر سلبا في النسيج المجتمعي ويعيق افراز افراد مسؤولين في المجتمع وهو امتهان غير مباشر لعظم دور المراة امام اسرتها وعظم دور الاسرة امام المجتمع ، وإن حصول اعداد تزويج كبيرة للقصر في مجتمعنا هو صورة غير محمودة وهو مسؤولية مشتركة بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية الا ان التقييد الحقيقي لباب تزويج القصر يتم من خلال الرقابة القانونية للتطبيق وتقييد التعليمات من الجهة المسؤولة لان كف واحدة لا ولن يتقن التصفيق .
الناشطة الحقوقية
المحامية مرام مغالسة