الشباب الذين اجتمعوا بعد صلاة الجمعة في ساحة جامع الجامعة الأردنية وهتفوا لحق العودة وإلغاء ذكرى النكبة، كانوا لا يشبهون من كانوا في الشارع طيلة الأشهر الستة الماضية، مع أن جلهم ينتمون لذات المرجعيات والتنظيمات السياسية التي غطت الشارع في الأشهر الماضية. لقد اختلف هدف النزول فتغير الخطاب وتغير معه الموقف الرسمي منهم، والذي رحب بوجودهم وأصر على رعايتهم وحمايتهم. أحد الشباب نهض وخطب وقال:" نحن نحمي الأردن ونحن ليس لنا قيادة ونحن نعمل بشكل أفقي ولا نريد أي تخريب ونرفضه، وسنذهب في مسيرة للحدود ونريد إلغاء ذكرى النكبة". الأوراق التي وزعت تحمل بيانا واضحا في رفض التوطين ودعم الفلسطينيين في حق العودة، وكلها مطالب جيدة ولا يختلف احد عليها، وفي هذا الحراك يمكن النظر إلى أن الدعوة التي وجهت عبر الفيسبوك لانطلاق مسيرة العودة، كانت لها ايجابيات عدة؛ أولها إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بعدما واجهت ضعفا بالحضور وصارت كأنها مسألة عائلية بين حماس وفتح.
اليوم حراك شباب مسيرة العودة، يؤكد أن الوقوف الفكري عند الظاهرة الشبابية، وبخاصة بعد أحداث تونس وثورة مصر واليمن، للتحليل والتساؤل عن هوية شبيبة غامضة ومتمردة، قد تم ومرّ بوقت سريع، ليعيد نفس الفكر اكتشاف موضوع "الشباب" كأحد الأوهام الكبرى التي عبرت أزمنة "الحداثة" الأوروبية، وكأحد أهم معضلات الدولة الوطنية العربية المعاصرة التي فشلت في خلق ثقافة مواطنة لهذا الجيل الممتد من طنجة غربا إلى المحرق شرقا.
بعيدا عن ذلك يلاحظ المتتبع للخطاب العربي، بكل مستوياته السياسية والثقافية والاجتماعية أيا كان مصدره، سواء تعلق الأمر بالفاعلين السياسيين أو السلطة أو الصحافة..الخ ذلك الحضور الكثيف "للشباب" كموضوعة وكمقولة في البناء الدلالي لهذا الخطاب.
ولا شك أن هذا الحضور يحفل بكثير من النزعة التمجيدية، لقوة الشباب وعنفوانه وقدرته على التحدي ومجابهة الصعاب أو اختراق اليومي والإبداع فيه من الدخل، بالالتفاف حول رموز الاستهلاك اليومي من خبز وفقر وبطالة وفساد..الخ.
غير أن هذه النزعة تقترن بالدعوة المستمرة من طرف الحكومات إلى المشاركة والمساهمة في العمل السياسي، بشكل يجعل من خطابات الفاعلين المختلفين مجرد إعادة إنتاج لخطاب السلطة السياسية نفسها، التي شكل حث الشباب عندها على المشاركة، أحد ثوابتها خاصة بعد الأحداث الأخيرة في البلاد العربية.
في مستوى أول من التحليل يبدو أن الحضور الكبير للحديث عن الشباب داخل الخطابات السياسية العربية سيبقى مفتوحا، وهذا الانفتاح سيكون قابلا للتغير نتيجة حالة مستمرة من الحراك، وهذا الأمر سيكون طبيعيا ويكاد يكون مطابقا وموازيا للحضور الحقيقي لإشكاليات الشباب وقضاياه داخل المجالات الاجتماعية والاقتصادية الوطنية والفكرية ذات الصلة بمقولة الهوية الوطنية أو الخصوصية الأردنية.
النتيجة المباشرة اليوم لحراك الشباب في الأردن، في أنهم أضحوا هدفا رئيسيا لرجل السياسة وللشأن العام وللمشاريع المجتمعية، ولاشك أن الشباب سيكونون حاضرين بنفس القدر في النقاش السياسي والتداول العام لسياسات الإصلاح المطلوب انجازه، لذلك ينبغي أن يكون الحضور الشبابي أكثر كثافة داخل مبادرات الإصلاح ومشاريعه.
إن أكبر إشكاليتين يعرفهما الأردن الراهن، ويضغطان بكليهما على السياسي وصانع القرار داخل دواليب جهاز الدولة التنفيذي، هما إشكالية البطالة وإشكالية التعليم. وهاتان الإشكاليتان يمكن اعتبارهما شبابيتين بالسبب والنتيجة، لذا يجب أن تكون الأولوية لهما في أي عملية إصلاحية، وهما تفوقان أهمية التمثيل والإصلاح السياسي والاقتصادي.