مرثية لروح الحباشنة

مرثية لروح الحباشنة
أخبار البلد -   كان فرصتنا الأخيرة.. محمد كان الملاذ الأخير.. للتعب الذي نتفاخر به ولا نعالجه .. كان نهاية لكل تناقض فينا نحن كارهي الحياة والمتشبثين فيها حتى النفس الأخير.. لعل غرفته ذات الضوء الخافت - في عيادته- كانت تسلط الضوء على دواخلنا المهزوزة.. على الذات التي لا تقوى على قصورها أمام العدم.. على الأنا التي لا تكف تصفع مع دقات الساعة.. على حيرتنا التي جلبتنا إلى هنا.. والتي أوصلتنا لعمان بلا محمد وكرك بلا محمد.. وأردن كبير بلا محمد.. وإنسانية يود لو تحترم نبضات قلبها.. بلا محمد..

ضوء غرفته أفل كما أفلت عيناه اللامعتين عن البريق.. تركنا ليجبرنا على حب الآفلين.. فوصل بنا الحال أن لا نجد محمداً ليبتسم كالعادة ويطفئ حمم البكاء فينا.. وجاءت الأيام ليصبح محمد سبباً ليعود الحزن بداخلنا تحت المجهر.. ولطالما كان يدعونا لنتركه خارجاً ونرى إشراقة الشمس كل صباح تتسلل إلى نوافذنا وتعلن فرصنا الجديدة الوفيرة بشيء مختلف.. يبدو أن محمد كان يعرف أننا جميعاً نتأرجح على كفة الفعل ورد فعل.. على رعبنا الدفين وخوفنا الذي لا ينتهي حتى آخر النفق.. على الذعر الذي ينتابنا كل مساء لأن الخلود إلى فراش الذاكرة يعني شلال مشاهد عصية عن المضغ.. وخلوداً آخر.. بشريط آخر.. من رواسب الأيام الصعبة.. ونحن صدقاً لم نعد نحتمل..

لطالما أحب أن نضع الأمور في سياقها ونبقى - على الأقل - أوفياء لعقلنا السحري.. لإيماءات الوعي الهامس في الأذن.. لكن محمد انتظرنا حتى اقتربنا من أنفسنا معه.. حتى أمسك بأيدينا لننظر متى نكتفي بإجهاد أنفاسنا المتلعثمة في الرئتين.. لكنه تركنا.. ليجبرنا على حب الآفلين..

كنا نجرؤ معه لنقول بفخر أننا متعبون.. وأن ثقل الكلمات التي ألقيت على مسامعنا صغاراً ما زالت تؤلم.. تخيلوا.. كنا نجرؤ معه لنقول أن نظرة عابرة في مراهقتنا ما زالت ترهقنا حتى كهولتنا الآن.. كنا نجرؤ معه لأن نخرج من جلابيب الأغبياء الذين التصقوا فينا منذ الولادة.. كنا نجرؤ معه على النظر إلى لوحة في العيادة.. ونعدّ الوجوه.. التي ترسم دواخلنا.. ونرى كم نجلد ذاتنا.. وكم نؤلم نواصينا بالتحديق على خطايانا.. ليرينا كم نظلم أنفسنا ويعيد لنا أملاً ورغبة في الاستمرار كان من الصعب علينا أن نتخيلها حتى.. كنا معه نجرؤ على الكثير.. كان فرصتنا الأخيرة..

كان يريد أن يقول إنّ هذا العالم الذي نرى.. صَنيعُنا نحن.. وإنّ جدارن القدر انعكاسٌ لذاتنا.. وأننا في الدّاخل.. بين الزّخارف بين المتاهات.. بين العروق.. أننا اللّامنتظمون بين الأنماط.. أننا الثّقب في دورق الحضور.. أننا انْصيَاع الطّين لمعركة النّار.. أننا شعاع نور..

كان ينوي أن يقول للجميع : لَست الوَجه.. لسْت الشِّفاه.. لستَ العينين.. لست اليدين.. لست الجسد.. لست ما قالوا.. ولست ما تقول..

اهرب.. اركض.. اصرخ.. تمزّق.. تمرّد.. أنظر خارج الصّندوق.. خارج السّجن.. خارج الأبعاد.. خارج خطوط الوهم.. خارج أصفاد الوقت.. خارج الأنا والأنت.. والهو..

ثم تزمَّل.. إلى باطنك.. عُدْ.. وغُصْ.. أكثرَ وأكثرَ.. إلى النُّور.. إلى الحَقِّ.. إلى النَّفْخة الجليَّة.. إلى العزيزة.. إلى "الرّوح"..

على كل حال.. لم يكن هذا الوسيم بيننا يعلن نيته الكاملة على أن يعالج كل من يراه.. وأن يخفف من وقع الوقت على كل من يحادثه كيفما كان.. كان يرانا أصدقاء مرهقين من مجتمعنا.. من أفكارنا.. من الوحوش التي نصنعها لأنفسنا على الدوام لغايات الاستقامة.. كان يرى كيف تنهمك خلايا أدمغتنا بنحت صور سيئة عنا لنا.. وكان يهديها ورداً وحباً وابتسامة وثقة.. لتعود لرشة العطر معنى.. وللنضال والهتاف.. والشارع المتخم بالزحام.. معنى.. ليعود لرغيف الخبز ضحكة تعيد ميلان هواجسنا إلى صورته الصحيحة..

لكنه الآن لا شك.. ينتظر أن نكمل ما كان يريدنا أن نكمله.. أن نبقى أكثر هدوءاً أمام الألم.. وأكثر صلابة أمام الجرف المستمر لمشاعرنا الصادقة.. وأقل جلداً لذواتنا التي يكفيها ما فيها.. كان يريدنا أن نحترف تناول الأيام بأقل حجم من الأضرار.. كان يريدنا أن نرسم واقعنا بالمتاح.. ونختصر على أنفسنا عناء الكآبة مما لا يحدث.. ومما لا يرام.. ومما قد لا يكون منقوشاً فعلاً على رزنامة الشهور..

هذا يعني أن فرصتنا الأخيرة.. محمد .. أبو شيفار.. سيبقى الفرصة الأخيرة حتى وإن غاب.. سيبقى الإطار الذي يجب أن نضعه لصورنا التي أحبها.. والمانشيت العريض لجولتنا المتمادية في أعماق الروح..

فقلّي يا محمد.. كيف ينثر الرّمش عهن اللّحظة.. ويبذر جنوناً عكس الرّيح.. فالتّيار ما عاد يجرفنا.. ولا بالاً جاء يلقي لنا.. جاء ينثر شيئاً من شعاع شمس.. تحرق المقل وتكوي الأنا..

فيا ذات قولي إنّ الرّفق ضعف.. وكفى.. وإن النار ما أوقدها الدفى.. ما ظلّ في المهجة قدر رشفة.. فإن الجوف أضناه الجفا..


مرثية لروح الوسيم جداً الخال محمد الحباشنة..

(حسين الصرايرة)
شريط الأخبار شكاوى من غياب إنارة طرق المواقع السياحية في عجلون "الطيران المدني" تدرس طلبا جديدا من شركة طيران أردنية لتسيير رحلاتها إلى دمشق الأردنيون يؤدون صلاة الاستسقاء اليوم إعلام عبري: حماس ستسلم اليوم قائمة من سيتم إطلاق سراحهم غدا عقوبات صارمة للمتعدي على الأراضي الحرجية استمرار الأجواء الباردة في أغلب المناطق الجمعة وعدم استقرار جوي الأحد بريطانيا تقدم 8.1 مليون دولار لدعم برنامج (اليونيسف) في الأردن هيئة الأوراق المالية تتطلع لإلزام شركات مؤشر بورصة عمان ASE 20 بتطبيق معايير الحوكمة البيئة والاجتماعية بحلول 2026 60 مليون دينار هدر وزارة الصحة للأدوية سنويًا 190 شخص مجموع رواتبهم التقاعدية سنويًا 11 مليون دينار الملك يبحث هاتفيا مع مستشار الأمن القومي الأمريكي سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية امرأة تقدم على إحراق زوجها باستخدام الكاز 8.1 مليون دولار لدعم التعليم للأطفال في الأردن الصفدي من دافوس: خطر انهيار وقف النار في غزة "سيفتح أبواب الجحيم".. والأحداث في الضفة مقلقة جداً فرض كفالة إضافية بـ (2) مليون دينار على شركات البورصات الاجنبية الملخص اليومي لحجم تداول الاسهم في بورصة عمان لجلسة الخميس .. تفاصيل الاحتلال يحرق منازل فلسطينيين بمحيط مخيم جنين عشيرة عبيدات تشكر جلالة الملك وولي العهد والشعب الاردني لمشاركتهم واجب العزاء بالمرحوم شوكت عبيدات بيان شديد اللهجة صادر عن الحكومة الاردنية أرقام مركبات مميزة للبيع بالمزاد العلني