لا ينكر أحد عقلانية الإعلام الأردني في أيام التحديات، أعني تلك التي حملت رياحا خبيثة، اعتقدها الظمآن ماء، فإذا بها خراب فوق السراب، وعالمنا العربي يشهد واقع الحال وسوء المنقلب والمآل، حين انضوى الإعلام العربي تحت راية صقيع العقل العربي فيما يسمى بخديعة الربيع العربي.. كلنا يعلم ويفهم دور الإعلام الأردني المهم في تجاوز تلك الأيام النحسات.
ترى لماذا تريدون استعادة تلك الفوضى؟ وهل تقتضي استراتيجيات إعادة إنتاج علاقة الثقة المتبادلة بين الدولة ومواطنيها كل هذا الهراء التشريعي؟.
قبل أعوام كانت الحكومات في مهب «الشارع»، ولن نبالغ لو قلنا: إن الوطن كله كان في قبضة الفوضى والريح، وسرعان ما ذهبت حكومات «إصلاحيات» مع الريح آنذاك، ترى كيف استطاع الأردن أن يتجاوز اختبارات الربيع العربي العسيرة؟ وما هو دور الإعلام في مساعدة الدولة على تجاوز تلك التحديات الكبيرة؟
تقول المعلومات، إن الحكومات كانت تقف فعلا في زاوية حرجة، وكانت العقلية التقليدية تسيطر على «فزعاتها» في مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية المنضبطة والمنفلتة، وكادت بموقفها هذا تجعل الوطن كله على حافة الهاوية، لكن بعض العقول الحكيمة تنبهت لخطورة الموقف، وقرأت سريعا بأن استعداء الإعلام «على علاته» يعدّ تأزيما وتسريعا الى بلوغ الهاوية، وكلنا يذكر أحداثا كحادثة «ساحة النخيل» والتي سميت آنذاك بحادثة «المنقل»، في إشارة إعلامية خطيرة تبين طبيعة الخطاب الذي كان مرشحا ليطفو على الساحة الاعلامية الأردنية، ويقودنا جميعا الى الانهيار، لكن حكمة بعض الحكماء قفزت الى مقدمة القرار الحكومي، وأوقفت التصعيد الحكومي المبني على فزعة معروفة، نجحت في ظروف ما بضبط الشارع، لكنها لم تتوفق بقراءة الظروف الجديدة المحتدمة بالتحديات، وحاولت التصعيد ضد الاعلام على طريقتها التقليدية، لولا حكمة بعض الجنود المجهولين..
هؤلاء الذين يختزلون السياسة وتحديات الفوضى بقرارات «شخصانية» عقيمة ومعدومة الرؤيا، هل تراهم يعتقدون بأن الأردن بات في مأمن من الغضب والفوضى ؟! لا بد أن كلمة «شخصانية» تحتاج توضيحا..إليكم وجهة نظري:
لا يمكن أن تكون قرارات دولة راشدة؛ تلك التي يتخذها شخص أو اثنان يجتمعان في غرفة ما، ويقرران أن ينقذا الوطن ويرفعانه الى مصاف الدول العظمى، وأنا أتحدث هنا عن مَن يقدمون اقتراحات واستشارات وتشريعات ونوايا ضد الإعلام، اعتقادا منهم بأن البلاد تخلو من المفكرين والمشرعين، وباتوا على قناعة بأن لا صحافة ولا إعلام ولا سلطة رابعة تلجمهم، وتفضح إخفاقاتهم..
استحدثتم قانون مطبوعات ونشر وأنتم على غير قناعة به، إذ كانت وما زالت القيمة السياسية والقانونية المطلوبة من إقرار هذا القانون هي مهننة وحرية الاعلام، وعدم معاملة جنود الحقيقة وكأنهم جنود تابعون لأعداء الوطن، الذين يتربصون بأمنه ويحيكون الدسائس لتخريبه، وعلى الرغم من هذا تم توقيف وسجن صحفيين وإعلاميين آخرين «4 زملاء على الأقل»، ثم خرج علينا بعض من هؤلاء يشرعنون لشيطنة الإعلام من جديد، ويوقظون تلك الحساسية القديمة القائمة بين الحكم العرفي والعمل السياسي الممنوع، ضاربين بعرض الحائط كل منطق وحكمة، اعتقادا منهم بأن الأردن بات حارة صغيرة وتم ضبطها على حجم رؤيتهم وأفكارهم الـ»شخصاوية».
العنوان معروف قبل وصول المكتوب الى مستقبليه، والأصابع -كذلك- تدرك بأنها ستحترق حين تلعب بالنار، ومع هذا ثمة «في صف الحكومة» من يلعب بالنار، ويغامر من جديد بمنجزات أردنية تحققت، ولم تكن لتنجح لولا وجود إعلام وطني وقف في خندق الوطن ودافع عنه، وقدم كل التسهيلات لضمان أمنه..
قد نقف ضد دخلاء الإعلام والدخلاء على الصحافة، ونعيب عليهم سخافة ووقاحة ما يفعلون، لكننا بكل تأكيد نقف بغضب أكبر ضد من يحاول أن يشيطن الصحافة والصحفيين ويطالب بقتل هذه المهنة الشريفة الحرة، ولو كان عقل الحكومات يعمل بتوازن لما تقدمت تجاه المواطن والعالم خطوة واحدة، إلا بعد أن تضم في صفوفها إعلاما حرا مستقلا ومستقرا وتنويريا رشيقا..
حتى وإن اجتمعتم بكل المواطنين فلا تعتقدوا بأنكم ستنجحون رغم إبعاد أو إهمال أو شيطنة الصحافة والإعلام..
الصحافة هي سلطة وهي «لا غيرها» جسركم الموثوق لأداء سياسي موثوق، ولنتائج يقتنع بها أو يحترمها الجميع.. فتوقفوا عن المغامرات الخاسرة واعلموا أن الخاسر الأكبر هو وطننا الذي يؤوينا ويحمينا من وحوش وأفاع تتربص خلف الحدود وفي «عتمات» الطرق الوعرة. فلا تسلكوا الطرق الوعرة.