استطاع مجلس الوزراء في جلسة واحدة ان يحل أو يبدأ الحل لحزمة من القضايا المتعسرة وبعضها يعود لعقود وسنين، وعادة ما كانت توصف بأنها ملفات تأزيم سياسي ومجتمعي. في هذه المرة عملت الإرادة السياسية والظروف المحلية والإقليمية ووجود نخبة حكومية جديدة تريد ان تبدأ عهدها برصيد سياسي واجتماعي قوي، لكن هذه الروح تبقى طارئة والإصلاح لا يبنى على الطوارئ بل يحتاج إلى استثمار الإرادة السياسية بالتمأسس الذي لا يقوم إلا على أكتاف دولة القانون.
خلال السنوات القليلة شهدت بنية دولة القانون في الأردن تراجعا حادا انعكس في أحوال العلاقة بين المجتمع والدولة، ولعل مراجعة سريعة لأحوال القضاء تثبت هذه الفرضية، في العهود السابقة كانت المعادلة المحلية تصف النظام القضائي بالقول: لدينا تشريعات ضعيفة وقضاة أقوياء، واليوم يوصف الوضع بالقول: تشريعات ضعيفة وقضاة تم إضعافهم.
فيما أصبحت مسألة استقلال القضاء مجرد شعار براق نتسلى به حيث يأتي التدخل في عمل هذه المؤسسة المحترمة من كل صوب وحدب، فيما شهدت الفترة الماضية أيضا تفريغ المؤسسة القضائية من رموزها وخيرة القضاة والكفاءات القانونية، في المقابل قدمت لنا عبقرية إحدى الحكومات تعديلات خفضت من سن القاضي إلى 25 عاما بالتزامن مع عناصر الضعف الأخرى التي أدخلها برنامج قضاة المستقبل الذي جعل من شباب حديثي التخرج بسن 22 سنة ان يصبحوا مساعدي قضاة، كل ذلك لمجرد ان نستفيد من منحة من إحدى المنظمات الدولية.
لم يتوقف حال ضعف التشريعات على صيغته التقليدية، بل أصبحت خزانة القوانين الأردنية تزدحم بالقوانين المترجمة نسخة طبق الأصل بعيدا عن السياق الاجتماعي والسياسي وحتى اللغوي، أضف إلى ذلك ظاهرة سن القوانين بالعطاءات التي انتشرت مؤخرا، أو تلزيم شركات ومكاتب استشارات بوضع القوانين التي طالما صدرت بصفة مؤقتة من دون ان يدري بها أحد أو أن تخضع لنقاشات عامة.
على قدر أهمية أي قرارات اقتصادية تتخذها الحكومة للتخفيف من قسوة الظروف الاقتصادية ومن انعكاسات السياسات الاقتصادية التقليدية على حياة الناس وقدراتهم، وعلى قدر أهمية أي قرارات سياسية أخرى نحو الانفتاح على المجتمع، فإن تخفيف الاحتقان المتراكم لا يترسخ ولا يجعل الناس يشعرون بالطمأنينة إذا ما أحسوا بالأفعال والممارسات بسيادة القانون فوق الجميع وبأن أداة صنع العدالة يقظة ومتنبهة وعينها على الجميع.
يقظة القانون هي القادرة على مد الناس بالشعور بالأمان حتى في ظل العوز والحاجة، وهذا الأمر إذا ما ارتبط بإجراءات اقتصادية توفر الحماية الاجتماعية، فإنه يعني بداية الحكمة في التعامل مع الظروف الاقتصادية والسياسية وانعكاساتها الاجتماعية.
تمأسس دولة القانون وإعادة تأسيس منظومة حقيقية كفؤة للنزاهة الوطنية هي الإجابة الحقيقية عن الكثير من الأسئلة الأردنية، من العنف والاستقواء مرورا بالفساد وصولا إلى حاجة الناس للشعور بالكرامة.