أخبار البلد -
بعد كلِّ ما كتبته لإثبات أن عودة حكم الضفة الغربية إلى الأردن، إلى المملكة الأردنية الهاشمية، لم يعد وارداً لا الآن ولا في المستقبل لا القريب ولا البعيد طالما أن الشعب الفلسطيني من خلال ممثله الشرعي والوحيد الذي هو منظمة التحرير قد اختار «المفاصلة» واختار ان يقرر مصيره بنفسه وإقامة دولته المستقلة المنشودة فإنه لابد من تجنُّب أي خضات غير مضمونة العواقب ولابد أن تستمر رحابة الصدر التي تعامل بها الملك حسين، رحمه الله، مع مسألة دقيقة وحساسة وامتدَّت أيادٍ كثيرة إليها من الخارج ليس حباً بالشعب الفلسطيني وقضيته وإنما مناكفة لهذا النظام الذي صبر صبْر أيوب وتحمّل ما لم تتحمله رواسي الجبال.
لقد بدأت منظمة التحرير على أساس أنها عربية وأنها أداة العرب السياسية لتحرير فلسطين وحيث لم تكن الضفة الغربية قد أُحتلت بعد ولهذا فإن عدداً من أعضاء اللجنة التنفيذية لهذه المنظمة التي انبثقت عن مؤتمر القدس الذي انعقد في عام 1964 كانوا من بعض الدول العربية وكان من بينهم شفيق الرشيدات الذي كان رئيساً لاتحاد المحامين العرب لكن هذه الصيغة ما لبثت أن جرى تغييرها حرصاً على بقاء الحركة الوطنية الفلسطينية بعيدة عن أي امتدادات خارجية مما جعل بعض القياديين الأردنيين في بعض فصائل المقاومة يشاركون في المجالس الوطنية الفلسطينية ولكن بدون عضوية كاملة أي لا يحق لهم لا الترشُّح ولا الإنتخاب.
في كل الأحوال وبالنسبة إلى الأردن فإن استعادة الضفة الغربية لم تعد واردة على الإطلاق وإنها لم تعد مُلكاً للمملكة الأردنية الهاشمية ولا جزءاً منها منذ أن اتخذت قمة الرباط العربية قرار :»إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.» لكن هذا لا يعني ولا يجوز أن يعني ألاّ تكون هناك صيغة وحدوية، إنْ في هيئة فيدرالية أو كنفيدرالية، يقررها الشعبان الشعب الأردني والشعب الفلسطيني بإرادة حرة وبخيار متحرر من أيِّ تأثير خارجي، بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967.
ثم وإنه يجب أن يكون واضحاً إن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة تحتم علينا ان نلجأ إلى خيارات صعبة لقطع الطريق على أي مبرر للتملص من هذا الإستحقاق ، وهذا كان قد تم الإتفاق بشأنه مع منظمة التحرير فور توقيع إتفاقات أوسلو، من بينها أي من بين هذه الخيارات ألاّ يبقى أهل الضفة الغربية يحملون الجنسية الأردنية وكذلك الأمر بالنسبة للمصنفين على أنهم نازحون جاءوا إلى الأردن، إلى الضفة الشرقية، خلال إحتلال عام 1967 أو بعده وهؤلاء معروفون ومعروفة أعدادهم وبالطبع فإن هذا لا ينطبق على لاجئي العام 1948 الذين هم مواطنون أردنيون حتى بوجود منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وحتى بعد قيام الدولة المستقلة المنشودة التي يعتبر الأردن قيامها ضرورة وطنية وقومية.
إنَّ هذه مسألة محسومة فهؤلاء جزء لا يتجزأ من الشعب الأردني لهم الحقوق نفسها وعليهم ما على الأردنيين من واجبات ويبقى في النهاية أن يكون خيار هؤلاء في أن يصبحوا فلسطينيين أم يبقوا أردنيين هو خيارهم كأشخاص وأفراد وليس كمجموعة ولهذا فإنه يجب أن تكون هناك غِلْظة وشدة وعلى أساس القوانين ضد كل من يحاول التلاعب أو المس بهذه المسألة الحساسة جداً وبخاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا والتي تمر بها المنطقة الشرق أوسطية كلها.
يجب ، في المستقبل القريب ،بإذن الله، وبعد إنجاز كل إصلاحاتنا المنشودة وبعد إستقرار أوضاعنا الديموقراطية، ألاّ يكون هناك كل هذه التصنيفات الحالية ويجب ألاّ تكون هناك أيضاً لا طوائف ولا أقليات سياسية ولا عرقية.. يجب أن يكون هناك مواطن أردني يذهب إلى الانتخابات على أساس القوائم الحزبية الوطنية فكلنا أردنيون وعلى أساس أنَّ :»الدين لله والوطن للجميع».. أما فلسطين فستبقى في القلب وأما أهل فلسطين فإنهم سيبقون أهلنا حتى بمنْ فيهم أهل الأرض التي أحتلت عام 1948 وأمَّا القدس ،الحبيبة فعلاً، فإنها ستبقى وإلى أن تتحرر :الإبن الأصغر والإبن الغائب والإبن المريض» إنها ستبقى أحب أبنائنا إلينا وستبقى قلوبنا فيها وهي في قلوبنا.. وهذا هو الموقف الأردني الحقيقي.