مقطع الفيديو الذي تداولته سريعا وسائل الإعلام الإلكترونية والفضائية ويشتمل على معركة بالأيدي وإشهار للإسلحة النارية، هو جزء من الحلقة الساخنة التي قدمتها قناة فضائية محلية في الأردن، ومصطلح فضائية محلية ينطبق عمليا على أكثر من قناة عاملة في الأردن، فموادها وبرامجها وكذلك إمكانياتها لا تتناسب بأن تحملها للمنافسة أو التواجد على ساحة فضائية عربية مزدحمة.
كانت العادة الأردنية تقضي بأن الخلاف لا يفسد للود قضية، وكان أقطاب اليسار واليمين يلتقون بمشاعر أخوية في المناسبات الاجتماعية، فلم تعرف العلاقات تعصبا أو توترا لم يكن تبادل الإهانات أو الشتائم ضمن الثقافة الأردنية، فما الذي يحدث؟ ولماذا يتركز التوتر اليوم في مجلس النواب سواء تحت القبة أو خارجها؟
هل الإعلام مسؤول عن التوتير، هل المنافسة في مجال الإثارة هو المساحة الوحيدة التي استفادتها الفضائيات الأردنية من تجربة الفضائيات العربية الريادية مثل الجزيرة والعربية، لماذا هبطت بركات «الاتجاه المعاكس» على الأردن ولم نستفد من تجارب «في العمق» أو «شاهد على العصر»، الإجابة ببساطة أن هذه النوعية من البرامج تتطلب مذيعين ومعدين محترفين وعلى سوية عالية من الخبرة والمهنية.
في برامج تجمع النقيضين في أي قضية سياسية يفترض أن ما يحدث هو «منازلة» فكرية تقوم على الحجة والمنطق، ولكن أن تستدعى شخصيات تحمل مواقف متباينة بصورة فاقعة، دون أن تكون مؤسسة فكريا وعمليا للحديث عن وجهات نظرها، فذلك سيحول المنازلة الفكرية إلى حلبة لتبادل الاتهامات والشتائم، إن لم تتطور المسألة إلى تبادل اللكمات ومؤخرا رفع الأسلحة النارية.
لنفترض أن أحد الضيوف الذين أفلتت أعصابهم نتيجة الاختيار الخاطئ لهم كان مريضا بصورة تضع حياته في خطر في حالة الاشتباك اليدوي، أي فضيحة كانت ستعبر قارات العالم كلها، ما هذه المهزلة التي تسمى البرامج الحوارية، ومتى يمكن أن يغلق بازار الاستعراض والتهافت بين ساسة هم عمليا خارج حسابات الجماهير، أو يوشكون على الخروج نهائيا من ساحة سياسية لن تبقي إلا على المؤهلين عمليا لتمثيل الأردنيين بالفعل.
إن إعادة تعريف النخبة السياسية أصبح ضرورة ملحة، فليس الحصول على المناصب أو الوصول إلى المجلس النيابي هو الذي يحدد هذه النخبة، وإلا فأين يمكن أن يوضع عشرات بل مئات من الحزبيين الجادين الذي قدموا تضحيات كبيرة في مجتمع لم يكن ناضجا ليتعامل مع تجاربهم لأسباب متعددة، أين يمكن أن نضع وأن نصنف قادة المجتمع المدني، أين يمكن أن يتم تسكين شباب العشائر والمناطق من المثقفين والأكاديميين رفيعي المستوى الذين يحملون صوت التنمية المحلية ويدينون التنمية العرجاء في الأردن.
إن إعادة تنشيط النخبة يتم برفع الغطاء الذي يضغط على النخبة القائمة ليتم فصل البخار الذي يمكن إعادة تكثيفه في مياه صالحة للاستخدام البشري، وتبقى الشوائب التي لا طائل من بقائها ولا مبرر للاحتفاظ بها والدفاع عنها.
الإعلام أيضا يجب أن يرفع عن عينيه العصابة التي تجعله يسير في اتجاه واحد، يقتبس ويقلد وينقل، ولكنه لا يبدع، لا يفكر في حالته، لا يتطور من الداخل، للأسف، الإعلام الذي كان له الدور في تصدير القيادات والمواهب لجميع دول الخليج العربي والقنوات الناطقة بالعربية حول العالم، يعاني اليوم الأمرين من فقر مادي وإبداعي ويبدو خاسرا سلفا في معركة البقاء.