أخبار البلد -
من الطبيعي أن تضطر بعض الحكومات لاتخاذ قرارات اقتصادية صعبة، فقد سبقتنا إليها عدة دول في العالم وخاصة في الاتحاد الأوروبي في سياق الأزمة المالية العالمية. ولكنْ، هنالك فارق كبير ما بين اتخاذ قرارات مبنية على دراسات وتخطيط طويل الأمد وعلى معلومات تتم مكاشفة الرأي العام بها، وبين قرارات يتم اتخاذها بطريقة عشوائية اقرب إلى اسلوب الفهلوة تكون نتيجتها الوحيدة ليس تخفيف العبء المالي عن الخزينة بل زيادة العبء السياسي على منظومة الدولة.
ملف الطاقة واسعار مشتقات النفط في الأردن من أعقد القضايا وأكثرها إشكالية، وحتى هذه اللحظة لم تتمكن اية حكومة أردنية، بل ولا حتى مركز دراسات اقتصادي ولا وسيلة إعلامية ولا أي مصدر معلوماتي بتحليل دقيق لدورة حياة برميل النفط في الأردن حتى نعرف أين هي المشاكل الحقيقية وكيف يمكن معالجتها بطرق لا تتضمن رفع الأسعار وإذا كان لا بد من ذلك ففي الوقت المناسب.
مطلوب أن نعرف كمواطنين كيف يتم شراء النفط في الأردن؟ من اي مصدر؟ وبأي سعر مقارنة بالأسعار العالمية؟ وكيف يتم تزويد المصفاة به؟ وما هي تكلفة تكريره في المصفاة؟ وكيف يتم تسعير المشتقات؟ وما هو "الدعم” الذي تقدمه الخزينة؟ وما هي عوائد الضرائب على البنزين؟ وكيف تصرف؟ وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي لا نعرف الإجابة عنها حتى نستطيع تقييم مدى مصداقية الحكومة في أرقامها الرسمية وتبريرها لضرورة رفع الأسعار.
لا تلوموا المواطنين في غضبهم ولا في طريقة التعبير عنه لأن الصورة غير واضحة. يوم امس انتشرت التعليقات الغاضبة بكثرة وتركزت على معادلة أن سعر برميل النفط انخفض في السوق العالمي بينما ارتفع السعر في الأردن، ولكن الأمور للاسف ليست بهذه البساطة. في حكومة سمير الرفاعي المغضوب عليها شعبيا وإعلاميا كان يتم تسعير البنزين في كل اسبوعين بناء على السعر العالمي وبالرغم من الارتباك في عمل المحطات وعمل المصفاة ولكن كان يمكن للرأي العام أن يربط بين الرقمين. حكومتا البخيت والخصاونة ومن أجل راحة البال قامتا بتثبيت سعر البنزين حتى عندما تم تفجير أنبوب الغاز المصري 14 مرة في سنة ونصف وأضطر الأردن لشراء فيول من السوق لتعويض نقصان الغاز الذي كان يزود 80% من إنتاج الكهرباء وبكلفة إجمالية وصلت إلى أكثر من 3 مليارات دولار، ايضا حسب الأرقام الرسمية.
هذه الأزمة تفاقمت حتى زاد العجز في الموازنة إلى درجة خطيرة. هل كان على حكومتي البخيت والخصاونة رفع أسعار البنزين في تلك الفترة للتخفيف من الخسائر؟ بالتأكيد هذا قرار منطقي اقتصاديا ولكنه كارثي سياسيا وبالتالي تم تأجيل القرار إلى الحكومة الانتقالية التي لن تعمر طويلا لتتحمل وزره. للأسف ايضا تم اتخاذ قرارات رفع بنزين 95 ومن ثم بنزين 90 بدون توضيح التفاصيل للرأي العام ولا أعرف هل هذا نوع من "عدم الاكتراث” برد فعل المواطنين أم لاعتقاد اصحاب القرار أنهم يمتلكون الحق المطلق في اتخاذ قرارات دون تفسير ودون معلومات منطقية.
من الواضح أن قطاع الطاقة في الأردن بحاجة إلى إعادة توجيه جذرية وربما تكون الحاجة ملحة لفتح باب التنافسية في استيراد النفط وتكريره وبيع المشتقات وكذلك في قطاع توليد الكهرباء لأن احتكار الحكومة لقطاع الطاقة والعشوائية في إدارته جعلت الرأي العام يفقد الثقة تماما بكل الخطط المتعلقة بإدارة القطاع، وفي حال تم فتح التنافس مع تنظيم دقيق من قبل الحكومة يمكن أن يحصل المستهلك على مصادر مختلفة للانتقاء بينها في مشتقات النفط. ولكن في كل الحالات من حقنا جميعا الحصول على البيانات التفصيلية والحقيقية لدورة حياة برميل النفط في الأردن ومعرفة مكامن الخلل.