اخبار البلد
في عقد التسعينيات من القرن المنصرم، كانت التجربة الديمقراطية الأردنية تتقدم خطوات على نظيرتها في المملكة المغربية. وفي العقد الأول من القرن الجديد، شهدت المغرب تحولا مهما، تمثل في ولوج عصر حكومات التناوب، التي كان أول من تولاها حزب الاشتراكيين المعارض.بالنتيجة، تقدمت المغرب أشواطا، بينما راوحت التجربة الأردنية في منتصف الطريق.أما الآن، وبعد أقل من عامين على تحولات الربيع العربي، نجد أنفسنا متخلفين ديمقراطيا عن مملكة المغرب بأكثر من عقدين.في غضون سنة واحدة، أنجزت المغرب أكبر عملية تحول ديمقراطي في تاريخ بلد عانى من أشد أنواع الاستبداد قسوة؛ تعديلات جذرية على الدستور، وقانون للانتخاب يمنح الأحزاب الأفضلية، وانتخابات نزيهة، ثم حكومة ائتلافية يقودها حزب إسلامي.قبل ذلك، كان الملك محمد السادس قد أقر مدونة للأسرة تعطي المرأة حقوقا مساوية للرجل، وشكل هيئة الإنصاف والمصالحة التي تولت تسوية الملفات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في عهد والده، وتعويض الضحايا عما لحق بهم من ظلم وأذى.في لقاء جمعنا مع وزير حقوق الإنسان السابق في المغرب محمد أوجار وسفير بلاده في الأردن، في منزل الزميل والصديق محمد الصبيحي، روى الضيفان تفاصيل مثيرة عن تجربة التحولات الأخيرة في المغرب تستحق التأمل والدراسة من الساسة الأردنيين.لقد ذهل قادة الأحزاب والمعارضة من التعديلات التي طلبها الملك على الدستور المغربي كما يقول السفير، وفي مقدمة هذه التعديلات التزام الملك بتكليف الحزب الذي يفوز بأكثر عدد من المقاعد بتشكيل الحكومة؛ والتنازل عن حقه في تعيينات الولاة والمحافظين، إضافة إلى سلسلة طويلة من التعديلات يمكن القول معها إن الدستور المغربي قد تمت كتابته من جديد. وتولت هذه العملية لجنة ضمت ممثلي جميع الأطياف السياسية في المغرب، والتي قامت بدورها باستمزاج آراء مختلف الفعاليات النقابية والاجتماعية في البلاد.أما اللائحة الانتخابية، فقد منحت الشباب دون سن الأربعين ستين مقعدا في البرلمان، والنساء ثلاثين إلى جانب حقهن في المنافسة على المقاعد الأخرى.بالنتيجة، جاء البرلمان الأول بعد التعديلات الدستورية حزبيا خالصا، ضم في صفوفه مختلف الأطياف السياسية في المغرب، وفاز برئاسته شاب من حزب الاستقلال، بينما ترأس القيادي عبدالإله بن كيران، من حزب العدالة ذي التوجه الإسلامي، حكومة ائتلافية ضمت أربعة أحزاب. وبن كيران ينتمي إلى الطبقة الوسطى، وما يزال حتى اليوم يعيش في شقة عادية بالرباط.ويقول السفير المغربي في عمان، إن الإسلاميين في المغرب اليوم هم أشد المدافعين عن الملكية، ويرفضون بقوة المس بصلاحيات الملك في الدستور. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدستور المغربي يعطي الملك سلطة دينية، إضافة إلى كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة.اجتاز النظام الملكي في المغرب، وبطريقة سلمية وسلسة، مخاض الربيع العربي ومصاعبه، وجنب البلاد أثمانا باهظة كان سيدفعها لو أنه تردد وراوغ وعاند على غرار حكام ليبيا ومصر وتونس وسورية.المملكة المغربية تنعم بالربيع العربي، فهل نلحق بالأشقاء؟