في تصريح مُفاجئ في مضمونه وتوقيته، خرجَ متحدث مجلس الأمن القومي الأميركي/ جون كيربي على العالم قائلاً: الرئيس بايدن «لا يُريد» أن يكون مسؤولاً عن «بدء» حرب عالمية ثالثة من خلال دعم واشنطن لكييف. موضحاً في مقابلة مع قناة «ABC» الأحد الماضي..."لقد شعرنا بالقلق إزاء التصعيد منذ بداية الحرب والصراع الأوكراني, وما يزال القلق قائماً». لافتا أن الرئيس يقول: إنه لا يريد أن يكون مسؤولاً عن بدء حرب عالمية ثالثة، من خلال دعم واشنطن لكييف في الصراع الأوكراني». مُشيراً في شكل مقتضب إلى أن الولايات المتحدة «لا تسعى إلى صراع مع روسيا أو أي قوة نووية أخرى».
أقوال كهذه تبدو من بين أمور أخرى ضرباً معروفاً ومُجرباً من ضروب التضليل الأميركي, خاصة بعد إتخاذ بايدن نفسه, «قراراً» خطيراً ومُتدحرِجاً نحو صِدام «مُؤكد» مع روسيا, بسماحه ـ ولو جُزئياً - لجيش زيلينسكي المأزوم عديداً وذخيرة وانهياراً في الروح المعنوية, بـ«استخدام الأسلحة الأمريكية في عمق الأراضي الروسية».
وإذا كانت موسكو على لسان رئيسها/بوتين, قد حذّرت واشنطن كما باريس/ماكرون (الأكثر حماسة وعدوانية ورغبة بإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا), وخاصة «حزب الحرب» في حلف الناتو وتحديداً أمينه العام/ ستولتنبرغ (المُنتهية ولايته قريباً, والذي يُقلل من جدية تهديدات موسكو), بشكل لا يحتمل التأويل أو الإجتهاد, من مغبة المُضي قُدماً في هذا الإتجاه الخطير الذى لن تتسامح إزاءه, مُقْرِنَة تحذيرها بتمرين «ميداني» على الأسلحة النووية التكتيكية, مباشرة على خطوط التماس الروسية/ البلاروسية مع أوكرانيا, فإن القرار الذي اتخذه إجتماع لحلف شمال الأطلسي/ الناتو والاتحاد الأوروبي قبل يومين, بمنح الضوء الأخضر لكييف باستهداف عمق الأراضي الروسية, يأخذ المواجهة الروسية الأطلسية/ الغربية إلى مرحلة جديدة أكثر خطورة ومفتوحة على إحتمالات كارثية.
لهذا جاء تصريح الرئيس الروسي السابق/ مدفيديف, الذي لا يمكن أن يُطلق تصريحاته النارية واللاذعة دون الحصول على ضوء أخضر من الكرملين, ليس فقط في أنه يشغلُ موقعاً رسمياً/أمنِياً, كنائب لرئيس مجلس الأمن الروسي, بل خصوصاً لأنه يُهدّد باستخدام سلاح «يوم الدين», وإن كان تكتيكياً هذه المرة. إذ قال/مدفيديف: (من الممكن أيضاً أن يُخطِئوا في تقديرهم بشأن استخدام الأسلحة التكتيكية النووية، برغم أن هذا أضافَ ـ سيكون خطأ فادحاً. ففي نهاية المطاف، وكما أشار الرئيس فلاديمير بوتين عن حق، تتمتع الدول الأوروبية بكثافة سكانية عالية للغاية، وبالنسبة للدول المُعادية التي تتجاوز أراضيها منطقة تغطية الأسلحة النووية التكتيكية، هناك أخيراً إمكانات استراتيجية. وهذا مع الأسف ـ تابع مدفيديف ـ ليس تخويفاً أو خدعة نووية. فالصراع العسكري الراهن مع الغرب, يتطوّر وفق أسوأ السيناريوهات المُمكنة، وهناك تصاعد مُستمر في قوة أسلحة «الناتو» المُستخدمة. لذلك ــ ختمَ ـ لا يُمكن لأحدٍ اليوم أن يستبعِد انتقال الصراع إلى مرحلته النهائية).
ماذا يقول المحللون ووسائل الإعلام الروسية, حول التصعيد الأميركي/الناتوي/الغربي المُبرمج والإستفزازي؟.
لعل أكثر المقالات والتحليلات (وهي كثيرة ومتنوعة), حول ما يجب أن يفعله الكرملين لمواجهة التصعيد الأميركي/الناتوي في أوكرانيا, هي المقالة التي كتبها يوري بارانتشيك، العالِم السياسي والخبير في الجيوبوليتيكا, ونائب رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية في السياسة والاقتصاد, في الأول من حزيران الجاري على قناته في منصة «تيليغرام», تحت عنوان:«لا بد من ضربة نووية», جاء فيها وفق ترجمة الدكتور زياد الزبيدي: «لا بديل عن الضربات النووية التكتيكية الروسية, على أوكرانيا ومنشآت حلف الناتو في أوروبا», المشكلة الرئيسية التي تواجه روسيا في الصراع في أوكرانيا ـ أضافَ بارانتشيك ـ هي أن الولايات المتحدة تُحافظ على المبادرة الاستراتيجية، ولا تتحمّل أميركا أي مخاطر عملياً وبتكاليف ضئيلة للغاية.
أعتقِد ـ واصلَ الكاتب ـ أن استخدامنا للأسلحة النووية التكتيكية, هو الفرصة الوحيدة للخروج من سيناريو الحرب المفروض بالوسائل التقليدية، لإرهاق روسيا. صحيح أن موارد نظام كييف ليست بلا حدود وقد بدأ يستسلم تدريجياً. ولكن، يُرجى ملاحظة أنه بمجرد إضعاف نظام كييف، بدأ على الفور في تعزيزه من خلال الدخول الرسمي لبعص دول الناتو إلى أوكرانيا. وسيتزامن ذلك مع تاريخ الإنزال في نورماندي/6 حزيران 1944 (مثل هذه الأيام قبل 80 عاماً.. م. خ). الفرنسيون قرروا الدخول.
سيناريو «تحالف الراغبين». ومن الواضح ـ لفتَ العالِم السياسي–أنه سيكون هناك أيضاً بولنديون، وبلطيقيون، وبريطانيون، وكنديون، ورومانيون. تحت القيادة العامة للولايات المتحدة. إذا لزم الأمر، فسوف يرمون بالألمان وكل شخص آخر هناك. واسمحوا لي أن أضيف هنا توسيع الضربات بأسلحة بعيدة المدى إلى أعماق روسيا، وهو ما تم الاتفاق عليه بالفعل بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. مؤخرا، أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر رسمياً، في الوقت الحالي، على حدود منطقة خاركوف، لكن هذه ليست سوى الخطوة الأولى، وسيكون هناك المزيد. ختمَ بارانتشيك.